بوسطة الجبل لن تشعل حرباً أهلية… ولكن: ناصر قنديل
للمرة الأولى يواكب حادثة إطلاق نار يسقط خلالها لبنانيان، يعلن الطرف المسؤول عن القتل سقفاً سياسياً لما جرى، بعدما كان الكلام سابقاً عن توصيف ما يجري بالحادثة، سواء في الشويفات او حتى في الجاهلية، أما أمس فقد كنّا على موعد مع إعلان سياسي يتنوّع في تعابيره لكنه يقدم وجبة سياسية واضحة عنوانها، أن الدخول إلى الجبل يتم بالتنسيق مع الحزب التقدمي الاشتراكي وإلا فهو يشعل ناراً قد يحترق بها مَن يعارضها من أبناء الجبل. وهذا الكلام الذي تردد بمفردات مختلفة يعلن سقوط الدولة، بغض النظر عن تأييد خطاب الوزير جبران باسيل أو معارضته، وقد اتخذ خطابه سبباً لإطلاق الخطاب الاشتراكي، وهو خطاب يشبه بصورة أو بأخرى جوهر خطاب جمهورية الحدث عن تشريعات خاصة لشروط التملك والإيجار
.
منذ مدة يعبّر الحزب التقدمي الاشتراكي وزعيمه النائب السابق وليد جنبلاط عن ضيق من الحجم الذي تتسع له فيه تركيبة الدولة ومؤسساتها بعد التسوية الرئاسية والانتخابات النيابية الأخيرة، مستشعراً تضاؤل حجم حضوره، وخسارته التدريجية لمواقع طالما كانت فوق النقاش في التعيينات والتشكيلات القضائية والأمنية، فهو كان يضع تحت جناحه حصة الطائفة الدرزية دون شراكة أو منافسة، وهذا لا يبدو أنه سيبقى، ويضيف إليها نسبة كبيرة من الوزن المسيحي في قضاءي الشوف وعاليه، ونسبة موازية من حضور الطائفة السنية في الشوف، ويبدو أن هذا كله بات معرضاً لإعادة النظر، والتوازن المسيحي الدرزي المحكوم بعلاقة سطوة القرار الاشتراكي كسقف لمعادلة الجبل يتعرّض للاهتزاز ومعه تركيبة البيت الدرزي سياسياً. والواضح أن الاشتراكي وجنبلاط يوجهان الرسائل الغاضبة في كل اتجاه، حتى حدث ما حدث أمس.
يتمّ ذلك على خلفية متغيّرات شهدتها المنطقة خسر خلالها الحلف الذي راهن عليه وشارك فيه جنبلاط والاشتراكي، أهم معاركه التي كانت سورية مسرحاً لها، وكانت مساهمة جنبلاط والاشتراكي فيها رئيسية سواء بالخطاب أو بالتحالفات أو بمحاولات جذب دروز سورية لخيار بعيد عن دولتهم، والفشل كان ثقيلاً في تأثيره على التوازنات اللبنانية الداخلية التي يشكل حلف الرابحين فيها الكتلة الوازنة للحكم، خصوصاً ثنائي التيار الوطني الحر وحزب الله، وهما حليفا خصوم جنبلاط والاشتراكي في الطائفتين الدرزية والسنية، كما قالت تجربة تشكيل الحكومة.
رهان جنبلاط على تشكيل حلف داخلي ممانع يحمي المكتسبات المشتركة ويضم الشريكين التقليديين، تيار المستقبل والقوات اللبنانية، اصطدم بعدم رغبة رئيس تيار المستقبل ورئيس الحكومة سعد الحريري للمجازفة الجنبلاطية وارتضائه لما تتيحه التسوية من مكتسبات يضمنها بقاؤه رئيساً للحكومة، عدا كون الحريري والقوات لا يستطيعان التسليم لجنبلاط بما يريده في الطائفتين السنية والمسيحية فبقيت صرخته وحيدة، وتحوّلت إلى مشاغبة سياسية وها هي تنفجر اليوم أمنياً، طالما أن الكلام السياسي المقال يُعفي من البحث في الروايات المتداولة حول إطلاق النار، الذي تبقى متابعته قضائياً ضرورية، لكن مع الأخذ بالاعتبار أن الكلام السياسي له معنى كبير قضائياً.
المساعي الحميدة لرئيس مجلس النواب نجحت في ربط النزاع مع حزب الله، وفي بدء التهدئة مع تيار المستقبل، فانفجرت مع ثنائي التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي اللبناني، حيث تصعب الوساطات، وحيث المسرح الرئيسي للإجابة عن سؤال، هل بالإمكان تثبيت معادلة الباب الجنبلاطي الإلزامي في الجبل أمام المسيحيين والدروز، تحت طائلة العقاب؟ وهل يمكن التراجع عن مشروع الدولة إلى هذا الحد؟ وهل يمكن لتسوية أن تحتضن الحدّ الممكن من التنازلات المتبادلة دون الوقوع في أحد المحظورين، تفكيك الدولة أو الوقوع في شرك الحرب الأهلية؟
الأكيد أن الحرب من المحرّمات وموازين القوى لا تسمح لمجرد التفكير باللعب بنارها، ولو كانت المنطقة الواقفة على قنابل موقوتة تبحث عن حريق لبناني يمكن توظيفه بوجه حزب الله، والأكيد أن مجرد التفكير بأداء هذا الدور لعب بالنار، وهو أمر مستبعَد لأن الجميع يعرف المعادلات والتوازنات، وبالتالي يصير الجواب الوحيد هو السؤال، أليست خريطة اتفاق الطائف بالذهاب لمجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومجلس للشيوخ يمثل الطوائف، يجري التفاهم على تفاصيله ورئاسته، مخرجاً مناسباً للجميع؟