شؤون عربية

”الإنتشار” يطلع على يوميات نازحين سوريين بعد عودتهم إلى ديارهم

دمشق- علي قصاب

سوريا آمنة، ولا وجود لمخيمات على أراضيها.. إنما مراكز استقبال لايواء كل نازح أو عائد”، بهذه العبارة نستخلص هدف الجولة التفقدية التي نظمها ”الحزب اللبناني الواعد” بُغية إطلاع الرأي العام، من خلال وفد من الإعلاميين المرافقين، على أوضاع النازحين السوريين وسُبل عيشهم في مختلف المناطق عموماً، وبالأخص في محافظة ريف دمشق.

جملة مؤشرات عامة لمسناها خلال الجولة، أبرزها أن المناخ الأمني في سوريا بات “ممسوكاً” في المناطق التي تخضع للسلطات الرسمية وتقدر مساحتها بنحو 90 في المئة من الأراضي السورية، وأن حالة الإستقرار نابعة من الإجراءات الأمنية المكثقة التي تفرضها الوحدات العسكرية حماية للمدنيين وممتلكاتهم، وأن لا اعتداءات أو ملاحقات تطال أي “معارض” أو “عائد” إلى أرض الوطن، كما أن قرار رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد حول العفو العام يبقى ساري المفعول لتسوية أوضاع كل من غُرر به وشارك في الحروب الماضية.

الجميع هنا يتمايز عن الآخر فكرياً، إذ لكل فرد منهم رؤيته وروايته المختلفة، فيما يلتقون على أرضية مشتركة قوامها دحض الأكاذيب التي تطلقها “أبواق خارجية مأجورة تسعى لشرذمة النسيج الوطني، من خلال بث الإشاعات حول ملاحقات أمنية وإعتداءات تطال من يعود إلى الربوع السورية” على حد تعبيرهم.

أبو أحمد” أحد هؤلاء المتحمسين، قال: “أخيراً، عدت إلى أرض الوطن، الكل يعلم انني هربت خوفاً من الأحداث القائمة والجماعات الإرهابية المسلحة. وقد كان معروفاً عني معارضتي لبعض السياسات الحكومية، مما زاد من مخاوفي بشأن العودة (..)ـ الآن أنا هنا، والأمور طبيعية، ولم يتعرض لي أي أحد من الأجهزة الأمنية“.

الجولة

بداية، توافد عشرات من الصحافيين والمصورين من أغلب الوسائل الإعلامية اللبنانية إلى نقطة الإلتقاء في منطقة الحازمية- لبنان، حيث كان بإنتظارهم رئيس الحزب، منظم الرحلة، فارس فتوحي مع مساعديه، الذين خصصوا حافلة لنقل الوفد الإعلامي إلى الوجهة المقصودة.

انطلقت الحافلة إلى سوريا عبر معبر المصنع الحدودي، حيث كان هناك أحد عناصر الأمن العام مكلفاً من خلال وثيقة أمنية بتسهيل الإجراءات، من ختم للجوازات وغيرها من الأمور الروتينية، لمغادرة الأراضي اللبنانية. وصل الوفد إلى دائرة الهجرة والجوازات في منطقة “جديدة يابوس” السورية، فاستقبلته مجموعة من الصحافيين التابعين لوزارة الإعلام، تم تخصيصهم لمرافقة الوفد منذ بدء الجولة حتى انتهائها. وأشرف ضباط على تخليص معاملات الأمن العام السوري، وتسهيل الإجراءات اللازمة لدخول الإعلاميين.

بعد ذلك، توقفت الحافلة عند الأمانة الجمركية، وهنا كان التعاطي مميزاً، ووصلت مجموعة من فرع عسكري يعنى بـ”الإتصال”، للكشف على المعدات التي سيتم إدخالها إلى دمشق، ونيل الموافقة اللازمة لذلك. كل الأمور مضبوطة وتحت السيطرة، والإجراءات المعتمدة تحاكي بحرفيتها دولاً عالمية من حيث النظام والتنسيق. وقد فوجئنا بأن أغلب العناصر مطلعون على أدق التفاصيل لطريقة عمل كل جهاز من ارسال أو تصوير أو بث حي، حتى المعدات المتطورة التي لا نستخدمها في لبنان عادة، يعلمون عنها الكثير!

مركز حرجلة- ريف دمشق

انتهت الإجراءات، وواصلت الحافلة مهمتها، فكانت المحطة الأولى للوفد في مركز الحرجلة- محافظة ريف دمشق، حيث اطلع على اوضاع “العائدين” وطريقة عيشهم، وقد تبين لهم ان لا مخيمات موجودة كما هو الوضع في لبنان من خيم قماشية وغيرها، بل مراكز استقبال تحوي بيوتاً اسمنتية وغيرها جاهزة، كما هي الحال في الدول المتقدمة، إذ أن التيار الكهربائي متوفر في هذا المراكز على مدار الساعة، ووجبات الطعام تُقدم بشكل منتظم، الى جانب مدرسة موجودة ضمن المجمّع تؤمن التعليم اللازم لكل الاولاد.

النازحة من منطقة كفريا “الحاجة أم محمد”، والدة لـ4 أطفال، في عيونها بريق أمل بمستقبل واعد، تقف في “الطابور” تنتظر دورها للحصول على وجبة طعام (حساء، وفروج ورز)، أكدت لنا أن “سوريا ستعود أفضل مما كانت عليه سابقاً، وهي تنتظر ترميم منزلها للعودة إلى منطقتها التي تحبها”، لافتةً إلى انها تلقى “ارقى معاملة من العاملين في المركز“.

أولاد كثر ينتظرون دورهم للحصول على الوجبات. “خالد” يتذمر من الإنتظار، كما لا يحب المدرسة، انما مجبر بالتعلم بناء للتعليمات. عاد من صفه إلى المنزل. ثم جاء ليأخذ حصة العائلة، لكونه الأكبر بين أخوته، ووالده قد استشهد أثناء المعارك التي ضربت “الفوعة”. الرجل الثمانيني أيضاً يتأمل بـ”الطابور”، ويقول “نشكر الله على هذه التقديمات، وعلى ما يقوم به الرئيس الأسد في سبيلنا. أنا لم الق هذه المعاملة في لبنان، حيث عشت سنة ونصف السنة في خيم تفتقر الى ادنى مقومات الحياة“.

خلال الجولة، تفقد الوفد المدرسة والمشفى، والأبنية الجديدة التي تنتظر استقبال المزيد من النازحين. وكان لموقع “الإنتشار” أحاديث جانبية مع عدد من الحاضرين، حيث اطلع بأم العين على التسهيلات المعتمدة، فسأل أحد الأطباء عما إذا كان هناك من نقص بالدواء، فكان الجواب: “الآن لا يوجد أي نقص، وكل شيء مؤمن، وإذا شعرنا بالعجز هناك مستشفيات في الخارج نعالج فيها بعض الأمراض أو الإصابات، لكن طبعا الأدوية يتم استهلاكها، لذلك علينا أن نبقي الإمداد مستمراً”. وتابع: “في هذا المركز كان هناك أكثر من 20 ألف نسمة في عامي 2014 و2015، الآن المركز يحوي فقط على 250 عائلة نازحة، وهذا مؤشر جيد الى طريقة سير الأوضاع“.

قطان

ثم عقد الوفد الذي ترأسه فتوحي لقاء مع معاون وزير إدارة شؤون الإدارة المحلية معتز قطّان، تناول البحث في سبل تأمين العودة. وبعد اللقاء دعا الأخير “جميع السوريين الى العودة الى بلادهم”، وتوجه إلى الشباب بالقول: ” نحن بحاجة إليكم، ومن يتخوف من مضايقات امنية فليسأل اقاربه وزملاءه الذين عادوا ما اذا كانوا قد تعرضوا لاي مضايقات، كذلك من يتخوف من خدمة العلم، فقد منحت الحكومة السورية مهلة 6 اشهر لجميع العائدين من اجل تسوية اوضاعهم“.

وأكد قطّان رداً على سؤال لـ”الإنتشار”، استعداد “الدولة السورية لتأمين شقة ضمن المركز لكل نازح تهدم منزله”، مطمئناً أن “كل العائدين أصبحوا في منازلهم ولم يتعرضوا لأي مضايقات أو ابتزاز“.

فتوحي

وكانت لفتوحي سلسلة من المواقف، اوضح فيها انه “بعدما نظّم “الحزب اللبناني الواعد” 6 دفعات متتالية أي عودة ما يقارب 2000 نازح سوري إلى بلدهم من خلال مبادرة “المشروع الوطني لإعادة النازحين السوريين إلى وطنهم” التي أطلقها في الأول من تشرين الثاني 2018، حيث وقف الحزب بوجه كل حملات التخوين والضغوطات، وزرع الطمأنينة في نفوس النازحين، وحثّهم على العودة انطلاقًا من الهدوء الذي باتت تنعم به 90% من المناطق السورية، كان لا بدّ لنا أن نأتي لزيارة “العائدين”، من أجل أن نلمس لمس اليد، بأنّهم، بألف خير، إذ أنّنا لم نكتفِ فقط بالتواصل معهم“.

وقال: “إذا كان من الواجب أولاً أن نشكر الدولة السورية على استضافتها لنا، فإنّنا في المقابل، ننوّه بصمودها وعلى رأسها الرئيس بشار الاسد المناضل الاول بوجه الحرب الشرسة التي خيضت ضدها، لكن بفضل القيادة الحكيمة للرئيس الاسد نجحت في تخطي الصعاب التي وجهت اليها من كل حدب وصوب، فنجح في اطفاء نار الحرب، وحافظ على وحدة الارض والشعب على الرغم من كل مخططات التقسيم ومحاولات بسط النفوذ“.

وشدد على ان “صمود الأسد هذا، نقدّره نحن في لبنان، ونعتبر أنّه حين تكون سوريا بخير يكون لبنان ايضا بخير، ونحن لا ننسى ان العلاقات بين لبنان وسوريا هي علاقات اخوة تاريخية، تختلف عن الطابع الديبلوماسي فقط، فهذه العلاقات المميزة لا يجوز ضربها نتيجة الخلافات الضيقة، والحسابات السياسية الشخصية“.

وتابع قائلاً: “من هذه الزاوية، يطرح ملف عودة النازحين السوريين، الذي لا يمكن ان ينجز الا من خلال التواصل المباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية باسرع وقت ممكن. صحيح ان المبادرة التي تقوم بها المديرية العامة لقوى الامن العام ايجابية ومطلوبة، الا ان الهدف الأساس لن يتحقق الا من خلال خطة مشتركة بين البلدين لكونها الحل الوحيد لتسريع وتيرة العمل والتنسيق“.

وفي حوار مع “الإنتشار”، قال فتوحي: “اننا من على الارض السورية، ننفي الشائعات عن ان سوريا لا تريد عودة ابنائها. فالاوطان لا تحيى ولا تستمر الا من خلال سواعد شبابها”، متابعاً: “هذه ليست الشائعة الوحيدة التي ننفيها، بل اننا من خلال هذه الجولة التي نقوم بها اليوم ندحض كل الاكاذيب الى تروجها احزاب محلية مدعومة من جهات خارجية عن ان العائدين يتعرضون للاعتداءات او الملاحقات الامنية، بل على العكس نحن والاعلام الذي يرافقنا، نلمس ونرى بام العين ان حياتهم هنا على ارض وطنهم، افضل بكثير من الظروف التي كانوا يمرون بها خلال فترة نزوحهم الى لبنان، الذي لا ننكر انه فتح ابوابه لاستضافتهم حين كانت ارضهم عرضة لخطر الارهاب. لكنه ونظرا لما يعانيه من اعباء اقتصادية فانه لا يستطيع ان يؤمن “لضيوفه” الحياة الكريمة. ونستغل هذه المناسبة من اجل توجيه التحية الى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم ولن يكل عن رفع الصوت والمطالبة بعودة النازحين الى بلادهم دون انتظار اي حل سياسي“.

ودعا فتوحي “الجهات المانحة الى مساعدة العائدين، فالمبالغ الصغيرة التي تقدم لهم في لبنان، قد تسهم في اعادة بناء المنزل او ترميمه اذا كان قد لحق به الضرر. مع الاشارة الى ان اعادة البناء او ترميم المنازل، لا تدخل ضمن خطط اعادة الاعمار الكبرى التي تتشابك فيها السياسة والمصالح الدولية“.

وأكد ان “الدولة السورية تتعاطى مع ملف عودة النازحين بطريقة أكثر من ايجابية، وهذا من خلال ما نلمسه من مراسيم تشجيعية وقوانين تسهل عمليات العودة. السلطات تقوم بالمستحيل لإقناع كل نازح خارج الدولة بضرورة العودة”، لافتاً إلى أن “الإشاعات التحذير والتخويف هي من تقف عائقاً أمام تحقيق هذا الهدف“.

وختم قائلاً: “حياة أي نازح هنا في المراكز أفضل بكثير مما يعانيه النازحون في لبنان على سبيل المثال. نحن بدأنا من قضاء كسروان وقد عاد عن طريقنا أكثر من ألفي نازح، مع الإشارة إلى أننا تابعنا اوضاعهم بعد العودة، وتأكدنا انهم آمنون”، مؤكداً استمراره بالمشروع الوطني الذي أطلقه لإعادة النازحين رغم حجم الضغوطات، “ونقوم حاليا بالعمل على إشراك أحزاب أخرى للتعاون معنا في هذا المشروع، وقد نلنا مباركة البطريرك الماروني ماربشارة بطرس الراعي“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى