توقيت زيارة روحاني إلى العراق: حميدي العبدالله

توقيت زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق وعقد لقاءات مع كبار المسؤولين في بلاد الرافدين هو توقيتٌ على جانبٍ كبير من الأهمية، وتأتي أهمية هذا التوقيت من مصدرَين أساسيّين: المصدر الأول، سعي الولايات المتحدة لخنق إيران اقتصادياً بعد أن تعذّر عليها خوض مواجهة عسكرية مباشرة معها. ونجاح خنق إيران اقتصادياً لا يمكن أن يحدث إلا إذا أُحكم الحصار الجغرافي عليها من كلّ الاتجاهات. إيران اليوم تقيم علاقات معقولة مع باكستان وهي إحدى الدول المجاورة لها، والنفوذ الأميركي في باكستان ليس بالقوة التي تدفع باكستان إلى الامتثال لكلّ الإملاءات الأميركية بما يعرّض مصالحها الحيوية للخطر، وبالتالي فإنّ استمرار علاقات تعاون اقتصادي وتجاري بمستوى معيّن بين باكستان وإيران يلعب دوراً كبيراً في الحدّ من تأثير محاولات الولايات المتحدة محاصرة إيران .

الجار الثاني الهامّ لإيران هي تركيا، وأنقرة في وضعها السياسي الراهن لا تعمل كما كان عليه الحال في فترات سابقة، إذ أنّ العلاقات الأميركية التركية تعاني من صعوبات على خلفية أكثر من ملف، من بين هذه الملفات الموقف من أكراد سورية، والموقف من معارضي النظام التركي فتح الله غولن الذي تطالب أنقرة بتسليمه وتتهمه بتدبير انقلاب ضدّ نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأيضاً تسعى الولايات المتحدة لتعطيل صفقة أس 400 بين تركيا وروسيا، وتريد واشنطن من أنقرة أن تتضامن معها في الضغط على روسيا وتطبيق العقوبات الغربية ضدّها، ولكن تركيا أردوغان ترى في ذلك ضرراً على مصالحها، وبسبب الخلاف على كلّ هذه الملفات بين تركيا والولايات المتحدة، فإنّ الرهان على دور تركي كبير في محاصرة إيران، وهو ما تسعى إليه الولايات المتحدة، رهانات في غير محله.

يبقى العراق وحده الذي يغري الولايات المتحدة ليكون ساحةً للضغط على إيران وإلحاق الأذى بها لأنّ هناك نفوذاً أميركياً كبيراً في العراق، وتأتي زيارة الرئيس روحاني إلى بغداد في هذا التوقيت وما رافقها من إعلان المسؤولين العراقيين بأنهم لن يلتزموا بالعقوبات الأميركية ليوجه ضربةً قوية للسياسة الأميركية، ومن هذه الزاوية يمثل توقيت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق حدثاً مهماً.

المصدر الثاني، هو الدور الذي تسعى إليه الولايات المتحدة عبر العراق، ولا سيما لجهة تنفيذ أجندتها المعلنة في سورية. يبدو أيضاً أنّ زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق في هذا التوقيت سيكون لها تأثير كبير في محاصرة النفوذ الأميركي في العراق، وبالتالي إفساد الرهان على دور محوري يمكن أن يلعبه العراق، لا سيما إذا قرّرت الولايات المتحدة سحب قواتها من سورية.

في ضوء كلّ ذلك يمكن الاستنتاج بأنّ زيارة الرئيس الإيراني إلى العراق هي زيارة تاريخية، ليس فقط لأنها تسدل الستار على صفحات سوداء في العلاقة بين البلدين نجمت عن حرب الثمانينات، بل وأيضاً لأنها تضع العراق وإيران في مسارٍ يصعّب على الولايات المتحدة تحقيق ما تصبو إليه في مواجهة إيران وضدّ سورية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى