السوريون وحدهم يكتبون دستورهم د. عبد الحميد دشتي

تقول الأمثال “إن الهزيمة لقيطة بينما للانتصار ألف أُمٍّ وأب”، وهذا ينطبق تماماً على الانتصار الساحق المؤزرالذي حققته سورية بقيادتها وجيشها الباسل وحلفائها الأوفياء في أعتى وأشرس حرب كونية شاركت فيها قوى العدوان الدولية والعربية مباشرةً أومن خلال مرتزقتها شذاذ الآفاق الإرهابيين القادمين من أكثر من -82- دولة مارقة بهدف تفتيت سورية قلعة العروبة التي لم تصمد فقط، بل وأدت المشروع الشرق الأوسطي المخطط له في الغرف السوداء وحتى في العلن لجعل الصهيونية كياناً متسيداً على دويلات هزيلة ضعيفة لا حول لها ولا قوة .

ونقول أن هذا المشروع نجح جزئياً في بعض دول “الربيع العربي” أو كلياً في بعضها الآخر مع استتباعاته التي تظهر تدريجياً في عمليات التطبيع، ولم يهزم إلا في سورية. وهنا لا بد من التوقف عند هذه الهزيمة التي يحاول محور العدوان التبرؤ منها بأي طريقة ومنها رفع شعار مكافحة الإرهاب بعد أن أرتد إلى عقر دياردول العدوان لتشرب من نفس الكأس.

هذا الشعار المطاطي الذي أدركت مراميه القيادة السورية يسمح لدول العدوان أن تتسلل من خلال تكييفات معينة ومنها إعادة كتابة دستور يتناسب مع الأهداف التي كانت موضوعة من خلال ميادين القتال، فكل دولة ومن خلال ما يسمى بمنصات المعارضة أو بطريقة مباشرة أو من خلال الحلفاء تسعى إلى كتابة سطرأو فقرة مضللة بإسم حقوق الإنسان والديمقراطية أو تداول السلطة .

ومن هنا نفهم أن الحلفاء لم يدخلوا إلا بعد أن أدركوا مدى صمود القيادة والجيش السوري، حققوا أيضاً مكاسب تتصل بهزيمة الأحادية الأميركية في قيادة العالم والتسلط عليه لصالح الثنائيات أوالثلاثيات التي ما زالت تقف في منتصف الطريق، واذا كان من حق هذه الدول الحليفة أن تشارك سورية في قطف ثمار الانتصار بتنسيق مع القيادة السورية وشعبها، فإنه ليس من حقها فرض إملاءات كبرى أو صغرى تتعلق بالعقد السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين القيادة والشعب، -وهنا أعني الدستور – الذي يكثر الحديث عنه في هذه المرحلة .

فسورية التي حدثت فيها أبشع الحروب والنكبات صمدت وانتصرت بالدماء الطاهرة الزكية، لن تسمح لأحد أن يكتب دستورها ومستقبلها على غرار بعض التجارب التي كتبت دساتيرها في الخارج فكانت النتيجة أنها كرست الانقسامات وغيّبت دورالدولة ومؤسساتها لمصالح ضيقة أوصلت البلاد إلى ترديات وانهيارات لا تطاق، وبصرف النظرعن هذه التجارب فإن الشعب السوري بقيادته يعرفون أكثر من غيرهم كيف يجب أن تنظم هذه العلاقة، والدليل أن المواطن السوري حتى في مناطق التوتر والإرهاب وهي جيوب قليلة ما زالت تصله خدمات الدولة ويتقاضى رواتبه منها وهذا لم يحدث في أي دولة في العالم .

إن الذين يحاولون أن يواروا هزيمتهم لحفظ ماء الوجه ويدفعون باتجاه تحولات قد يعكسها دستور جديد إنما يتوهمون بأن حلفاء سورية من الممكن أن يشكلوا أحصنة طروادة ستخيب آمالهم، فالحلفاء يعرفون الخصوصية السورية ويعرفون أيضاً أن هناك خطوطاً حمراء لا يستطيع أحد تجاوزها ولن يمكِّنوا أحداً من لجم الدور السوري وتأثيراته وممانعته في المنطقة، ولذلك سيأتي اليوم الذي سيعلنون فيه أن الشعب السوري وحده هو الذي سيعيد صياغة دستوره وسيقطعون الطريق أمام المناورات التي تختبيء وراء التقاطعات المصلحية .

وإن غداً لناظره قريب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى