بقلم ناصر قنديل

العلاقة مع سورية و»تربيح الجميلة»

ناصر قنديل

حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بنصف الاستدارة في رسم موقفه من العلاقة بسورية وتراجعه عن المعادلة التي رسمها قبل أسابيع تحت عنوان «لن أذهب إلى سورية، وإن اقتضت المصلحة الوطنية ذلك فتشواً عن غيري «. فربط مستقبل العلاقة اللبنانية بسورية بالموقف العربي والقصد الخليجي طبعاً، الذي يسيطر على الجامعة العربية، رغم أنه قال في موقع آخر إنه لن يربط موقفه بالطلب السعودي كما حدث من قبل، مشيراً إلى أن نسخة سعد الحريري الجديدة تغيرت عن السابقة، لكن الرئيس الحريري مدعو لبعض التفكير الهادئ بالأمر بعيداً عن الانفعالية التي وردت في كلامه .

يعرف الرئيس الحريري أنه من الخطأ تصوير الأمر وكأن سورية جاهزة للعلاقة معه، وهو من يتريث. وهو يعلم أن الأمور ليست هكذا، فهو عنوان لحلف لبناني وعربي ناصب الدولة السورية العداء، في شأن لا يخص مصالح لبنانية، متذرّعاً بما وصفه مع حلفائه بـ «الثورة السورية»، التي تمخضت عن هيمنة تشكيلات داعش والنصرة، التي سبق وصفها علناً من الحلف نفسه إما بالمزحة أو بالممثل الشرعي للشعب السوري. وهو يعلم أن هذا الحلف تمت هزيمته في الحرب، وسارت الرياح بعكس ما يشتهي، وأن السياسة الواقعية تدفع بكل الحكومات التي تورطت بمواقف مشابهة بما فيها حكومات دول كبرى بالبحث عن سبل الاستدارة للتأقلم مع النصر السوري، ولو بالتدريج، رغم كون حجم ترابط مصالحها بسورية أقل من لبنان.

يعرف الرئيس الحريري أن الحديث عن معاملة بالمثل وابتزاز في قضية معبر نصيب، كلام سياسي انفعالي في غير موقعه، فسورية لم تقل يوماً أن فتح معبر نصيب أمام البضائع اللبنانية يرتبط بزيارته، وربما تفضل سورية التسريع بفتح المعبر أمام البضائع اللبنانية لتفادي الزيارة وليس العكس. فالحريري رمز لخيار ينظر إليه السوريون كشريك في خراب بلدهم وسيشكلون حرجاً لقيادتهم متى استقبلته، ولا يزال بنظرهم ضيفاً غير مرحّب به. وهذا على الأقل موقف السوريين المؤيدين لدولتهم، وهم المقيمون في سورية، مع احترامنا لمبالغات الحديث بين خصوم سورية عن حجم الشعب الذي يصفونه بالثائر. كما يعرف الرئيس الحريري أن تعامل لبنان مع فتح المعابر والمطار كان تحصيل حاصل بلا منّة أو جميلة، فهو كان متاحاً أمام الحكومة وأمام المعارضة وأمام الإرهاب ايضاً، ولذلك فهو ليس سياسة إيجابية تجاه الحكومة السورية ولا يصلح لتربيح الجميل، وكأنه كان قرار الحريري وفريقه، بل هو ثمرة الانقسام اللبناني حول العلاقة بسورية والحرب فيها وعليها، والتوازن الداخلي الذي جعل لبنان مفتوحاً أمام طرفي الحرب في سورية بقوة تحالفاتهما مع طرفيها في لبنان، والتوازن ذاته يجعل الحديث عن الإقفال مستحيلاً، وليس بيد الحريري، فلماذا الانفعال؟

كان الأفضل للرئيس الحريري أن يقول بعقل بارد، «إنه يدرك التمييز بين مواقفه كتيار سياسي له موقف معلوم من الوضع في سورية، وبين تصرفاته كرئيس للحكومة محكومة بالمصلحة اللبنانية من جهة، وتوازنات الوضع السياسي الداخلي تجاه هذه العلاقة من جهة ثانية، وتوازنات إقليمية ودولية تحيط بهذا الموقف. ولذلك فعندما تتشكل الحكومة، ستبحث كل خطوة من خطوات العلاقة بسورية في وقتها، وعندما يصير البحث واقعياً بزيارة رئيس الحكومة إلى سورية ناضجاً في كل من دمشق وبيروت، بمثل ما هو ناضج في المحيط الدولي والإقليمي، سيدرس ويبحث بما يحقق المصلحة اللبنانية. وإذا كانت الدول تبحث فتح سفاراتها، فلبنان لم يقفل سفارته ليفتحها. وإذا كانت الدول تبحث بتنسيق أمني فنحن لدينا هذا التنسيق. وإذا كانت الدول تبحث بقضية النازحين، فنحن جزء من المبادرة الروسية وقد شكلنا الفريق الرسمي لهذه المشاركة، وزيارة رئيس حكومة أي دولة لسورية تحتاج سياقاً، عندما يحين فسننظر إليه بما يحقق مصلحة لبنان. وفي النهاية عندما تنتهي الحروب كلها بتسويات، على السياسيين الذين يضعون مصالح بلادهم فوق كل اعتبار أن يقاتلوا لهذه المصالح، ولو كانت نتائج الحروب والتسويات على حساب خياراتهم ورهاناتهم».

هذا هو موقف رجل الدولة الذي يحق للبنانيين أن يظهر به الحريري، متحرراً من مواقفه السابقة كفريق سياسي راهن على سقوط سورية وخسر الرهان، وبلا تربيح جميلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى