بقلم ناصر قنديل

ترامب في مواجهة العاصفة: ناصر قنديل

قبل أن تطأ قدما الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأراضي الأميركية انطلقت حملة استهداف عنيفة بوجهه، تشارك فيها متطرفو الجمهوريين الداعين لمواصلة خيار الحروب الانتحاري، في ظل موازين اختبرها الجمهوريون والديمقراطيون بالتتابع خلال ولايتين لكل من الرئيسين جورج بوش وباراك أوباما، وتصدرها الديمقراطيون بخلفيات تنافسية وانتقامية، ولكن بصورة رئيسية تمهيداً للانتخابات الرئاسية المقبلة، والانتخابات النصفية للكونغرس. ومع هؤلاء الإعلام الغاضب من تغطرس ترامب في معاملته وقد وجد فرصة للتصيد بدرجة الحضور الباهت لترامب في القمة، وظهوره ضعيفاً أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واتهامه بقبول التجريح بالمخابرات الأميركية وعدم قيامه بالدفاع عنها، كما يفترض برئيس أميركي .

العاصفة التي تهبّ على ترامب تقف وراءها قوى ولوبيات لها مصالح عميقة، منذ أيام باراك أوباما. وهي القوى التي دعمت حملة هيلاري كلينتون، ويتشكل قلبها من جماعات الاقتصاد الافتراضي المكوّنة من تكتلات الشركات التي يقوم استثمارها على العولمة وشركات الأسهم المتعدّدة الجنسيات وتتصدرها الشركات العملاقة في قطاعي الصناعات الحربية والنفط، والتي يحملها جماعات الأصول الثابتة في الاقتصاد الذين يقودون الصناعات التقليدية في المعادن والسيارات والمشاريع العقارية والمقاولات مسؤولية خراب الاقتصاد الأميركي، فيما يتكوّن من هؤلاء مركز الثقل لدعم ترامب بين التكتلات الاقتصادية داخل المجتمع الأميركي.

السباق بين ترامب وخصومه يدور منذ البداية حول قطاعين رئيسيين، يحسم انحيازهما لصالح أي من الفريقين نصره على الآخر. وهما يقفان في منتصف الطريق بين التكتلين المتقابلين في المجتمع الأميركي، وهما أولاً قطاع الاستثمار في الطاقة البديلة ومحورها استخراج النفط والغاز الصخريين، الذي استقطب مئات المليارات من الاستثمارات، يتشارك فيها منتمون لقطاعَيْ الاقتصاد الافتراضي والأصول الثابتة، وثانياً اللوبي الداعم لـ«إسرائيل» والممسك بأوراق قوة كثيرة في المصارف والإعلام وصناعة الرأي العام والقدرة على التأثير الانتخابي.

نجح ترامب في توقيت القمة وخوض غمارها، على ساعة مأزق هذين التكتلين، فـ»إسرائيل» تعيش قلق الانتصارات في سورية، وتستنجد بواشنطن للعودة إلى فك الاشتباك عام 1974، بعدما أقفلت دمشق أذنيها عن الإصغاء للدعوات، ولم تتفوّه موسكو بما يطمئن. فجاءت القمة الروسية الأميركية، لتمنح تل أبيب نصف اطمئنان. فالاتفاق قابل للتعويم، لكن ضمن صيغته الأصلية يفتح الباب لمفاوضات حول الانسحاب من الجولان، يعرف الإسرائيليون أنها لن تجري الآن ولا غداً، ولكنهم يعرفون أنها تقطع طريق أحلامهم بضم الجولان. ورغم عدم حصول الرئيس الأميركي على معادلة مقايضة الانسحاب الأميركي بانسحاب إيراني تبقى القمة ملاذاً وحيداً لـ«إسرائيل» بوجه مصادر القلق. وبالتوازي جاء ترامب لمستثمري النفط والغاز الصخريين بإنجاز كبير عنوانه تقاسم الأسواق الأوروبية مع روسيا من دون حرب أسعار خاسرة سلفاً، بسبب فوارق الكلفة بين النفط والغاز الصخريين ومنافسيهما النفط والغاز الطبيعيين. وهذا يعني بالتزامن مع إجراءات ترامب الضريبية على مستوردات الحديد والصلب والألمينيوم والسيارات، دفعاً قوياً لقطاعات اقتصادية كبرى ستخوض معركة الدفاع عن الرئيس ترامب وعن القمة الروسية الأميركية لن يقلّ عنها الدعم الإسرائيلي ممثلاً باللوبيات الناشطة في أميركا.

– سيصمد ترامب بوجه العاصفة، وربما يكون ذاهباً لولاية ثانية بقوة إنجاز، يحظى بدعم الرئيس الروسي يتمثل بحل أزمة السلاح النووي لكوريا الشمالية عشية الانتخابات الرئاسية بعد عامين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى