بقلم ناصر قنديل

«أبو واجب» الرفيق الرفيق والأمين الأمين الذي رَحَل

ناصر قنديل

كان المرض قد تمكّن منه عندما التقينا آخر مرة قبل أسبوعين، لكنّه كما أعرفه في كل محنة وبوجه كل صعوبة، كان كما هو يقاوم ولا يعرف الاستسلام، ويطرد الألم بروح الطرفة والابتسامة وتعابير المحبة والتذكّر، وتعاهدنا على لقاء قريب. وها هو اللقاء، فقد رحل علي قانصو والابتسامة تكلل وجهه الهادئ، تاركاً خلفه نصف قرن من النضال منذ بلغ العشرين كحزبي ملتزم، منفقاً عمره الفعلي في رفعة معنى الالتزام بجماعة طوعية تلتقي في الفكر لا على العصبية، مستثمراً أعصابه ليرفع شأن الوطنية التي آمن بها خياراً استقلالياً لا تورية فيه ولا مواربة حتى حمل السلاح وإشهار المقاومة، رابطاً مصيره بعقيدته القومية ومؤسس نهضتها كضامن وحيد لوحدة النسيج الاجتماعي وحماية البوصلة التي لا يجب أن تحيد عن فلسطين .

الرفيق والأمين هي ألقاب المناداة التي يمكن مخاطبة علي قانصو بها، لكنها هنا صفاته. فهو الأشد رفقاً والأجدر بالأمانة. ففي كل شأن يختصّ بالحوار والجدل هو سيّد الرفق والحنو والحرص على صياغة المشتركات. وفي كل شأن يتصل بالثوابت كل مساومة تضييع للأمانة تقارب حد الخيانة فتصير حراماً لا يُدانيه، مهما كانت الكلفة ومهما عظم التحدّي، وكبرت التبعات، ففي السنوات الطوال التي ربطتنا بقضايانا التي وهبناها الأعمار والفكر والروح، كنّا نتبادل الآراء بيُسْر ونعيد تنظيم الحوار بثوانٍ، تكفي نظرة أو بسمة ليفهم أحدُنا الآخر، وثالثنا في كل حديث حاضر لو غاب، هو الأمين والرفيق أسعد حردان، الذي يحرص أبو واجب على أن يؤدي واجب الحبّ له في كل مناسبة، كرمز للقومي المناضل المتّقد بالفروسية والمتشبع بروح الزعيم المؤسس أنطون سعاده، والأمين على ميراثه، والمستحقّ لرفقة عمر وأمانة قضية.

أبو واجب هو كنيته، فبكره هو واجب قانصو، لكنها هنا صفته أيضاً. فهو الأب الذي لا يغيب ولا يُنسى ولا يتلكأ، عندما يناديه كل واجب، واجبه الحزبي أولاً، وقد أدرك بعمق معنى الانضواء في جماعة، قد لا تروقه كل قراراتها المتخذة وفقاً للنظام، لكنه واجب الانضواء في جماعة، أن ترتضي وأن تنفذ بحب ما لا يرضيك، وإلا فما معنى ألا تلتزم إلا بما تريد من حاصل ما تقرّر الجماعة التي ارتضيت أن تمنح كلك لتكوين الجمع المتّحد بقوة الاندماج والتماهي والالتحام. والواجب عنده اجتماعي وشخصي لا يعرف التقصير ولا يعترف بالظروف، فهو حاضر في كل واجب، يعرف هذا عنه أصدقاؤه ورفاقه كما تعرفه أسرته الكبيرة وأسرته الصغيرة.

خلال رئاسته للحزب وقبل توليه الوزارة، وكانت اجتماعاتنا متواترة. وهي في كثير من الأحيان مخصصة لجريدة «البناء»، أنشطة ومشاريع تطوير، ومناقشة هموم واهتمامات. كانت كل الصفات التي اختزنها الراحل حاضرة، فكان الرفيق بـ «البناء» والأمين عليها، وأب للواجب تجاهها. سنتفقده جميعاً، وسنتذكّره كثيراً، لكنّه سيبقى الرفيق والأمين وأباً لكل واجب.

سيذكره المقاومون كرفيق وأمين وأب للواجب، كما يذكره القوميون رفيقاً وأميناً وأباً لكل واجب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى