إعادة بناء سورية: الأولويات, المستثمرين والآفاق (1) حميدي العبدالله

مقدمة:

لا شك أن عملية إعادة بناء سورية قد بدأت بعد أن تمكّن الجيش العربي السوري من إعادة الأمن والاستقرار إلى مناطق يقطنها حوالي 90% من سكان سورية وتضم المدن الصناعية وبعض الثروات المعدنية ومصادر الطاقة, والأراضي الزراعية.

وجميع هذه المناطق توفر شروط انطلاق عملية إعادة البناء وإعمار ما هدّمته الحرب الإرهابية التي شنّت على سورية. وباتت المباشرة بإطلاق هذه العملية حاجةً ملحة وضرورية لاستدراك ما خلّفته الحرب ولتحسين مستوى معيشة السوريين الذين عانوا كثيراً جراء حربٍ مدمرة استهدفت قصداً المرافق الاقتصادية, وتعمّدت إلحاق أوسع أذى وخراب فيها بهدف الضغط على السوريين لحملهم على الوقوف ضد الدولة السورية, ولتصعيب عملية إعادة البناء والإعمار في حال انتهت الحرب ولم يحقق الذين فجروها أهدافهم.

بعد انتصار السوريين وعودة الأمان إلى غالبية الأراضي السورية, وتوفر مقومات إعادة البناء بدأت مؤسسات الدولة السورية إيلاء هذه العملية أهميةً خاصة, سيما وأن كثيراً من الدول الصديقة بدأت استطلاع آفاق العملية ومجالاتها وبات من الملح ملاقاة هذه الاهتمامات والعمل على تسريع عملية البناء, ولاسيما في الشق المتعلق بإعادة إعمار ما هدّمته الحرب, لأن كثيراً من المرافق العامة لا تزال تعاني من النقص في القدرة على العودة إلى ما كانت عليه قبل الحرب, فالكهرباء لا تغطي كل المناطق السورية وعلى مدار الساعة, وكذلك المياه لم تصل إلى كل البيوت والأحياء, إلا في المناطق والمدن القريبة من مصادر تزويد السكان بمياه الشرب, وإعادة بناء قطاع النفط والغاز, بما يؤمن احتياجات السوريين, لا يزال دونه الكثير من الجهد والوقت ويحتاج إلى استثمارات, كما أن ثمة نقصٌ كبيرٌ في الأبنية السكنية جراء ما تسبّب به الإرهابيون من دمار في المدن الكبرى. ويعاني ملايين السوريين من أزمة على هذا الصعيد الأمر الذي تسبب بارتفاع أسعار الإيجارات إلى مستويات أعلى بكثير من دخل السوريين, ولاسيما موظفي الدولة, بل أكثر من ذلك فالكثير من الأحياء في المدن الكبرى لم تتمكن مؤسسات الدولة بعد من إزالة الأنقاض وفتح الطرق بين أحيائها, ويتسبب كل ذلك بعرقلة عودة الحياة الطبيعية إلى هذه الأحياء, وتدني القدرة على إيصال الخدمات المطلوبة إليها لأن إيصال هذه الخدمات مرتبط أولاً بإزالة الأنقاض, وثانياً بوضع المخططات التوجيهية لإعادة إعمار ما هدّمته الحرب, وكل ذلك لم ينجز منه شيء إما بسبب عامل الوقت أو بسبب نقص الإمكانات لأن أولويات الانفاق الآن تتجه نحو دعم المجهود الحربي, ونحو إعادة البناء للمرافق الأساسية, وتمويل الانفاق الجاري للحفاظ على الحد الأدنى من مستوى المعيشة الحالي.

لا شك أن حرباً تدميرية بحجم وطبيعة الحرب التي شنّت على سورية طيلة هذه السنوات التي تقترب من إكمال عامها الثامن لا يمكن التغلب على نتائجها بسهولة وفي وقت قصير, وهي تحتاج إلى تخطيطٍ جيّد, وتوفير استثمارات كافية, والبحث عن مصادر للتمويل تلبي الاحتياجات بالسرعة المطلوبة, وحتى لو توفر كل ذلك فإن منطق الأولويات, وترتيب تنفيذها وجدولتها من ناحية الوقت أمر في غاية الأهمية ولا يمكن تجاهله, لأن منطق الأولويات تفرضه سعة عملية إعادة البناء والإعمار واستحالة توفر القدرات والموارد الكافية للانطلاق دفعةً واحدة في هذه العملية, فحتى لو توفر الاستثمار لن تتوفر القوة العاملة بالقدر المطلوب, وليس من السهل جلب عمالة خارجية على غرار ما تفعل دول أخرى لأسباب كثيرة بعضها يتعلق بسورية, وبعضها يتعلق بصعوبة الحصول على هذه العمالة.

هذه العوائق والصعوبات هي التي تفرض على الدولة السورية وضع أولويات لإعادة الإعمار لأنها واقع مفروض وليس مجرد خيار للدولة, فرضَه واقع ما نجم عن الحرب من دمارٍ غير مسبوق في تاريخ معظم الحروب التي شهدها العالم.

في الحلقة المقبلة: أولويات إعادة البناء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى