ألف باء بقلم فاطمة طفيلي

النفايات جزء من الصورة

zibalal 600x320

فاطمة طفيلي

فرز وتدوير.. تصدير وترحيل.. صخب وضجيج وجدالات عقيمة ومن ثم عود على بدء، هي قصة النفايات، كما غيرها من أزمات لبنان الخانقة. هذا البلد الصغير الذي لم يعرف أهله الراحة والاستقرار، وبالرغم مما مرّ من أحداث، بما فيها الحروب المتعاقبة والفجيرات الأمنية والاغتيالات، لم يشهد مرحلة أسوأ مما يعيشه اليوم.

تكاد أكوام النفايات المنتشرة في المناطق تتحول الى معالم أثرية يسترشد بها أهل البلد وزواره دليلا للتنقل والسياحة بين أرجاء الوطن، بين مدنه وقراه، معالم صارخة تميز بأشكالها وأحجامها الشوارع والأحياء، وجبالها الشاهقة باتت الأبرز في الصورة، تلتقطها العين قبل سواها في المواقع المقصودة، كيف لا وهي رفيقة المناسبات والأحداث، والشاهد البيِّن على ما نعيش من اهتراء سياسي وفساد وتشتُّت في الآراء واستهتار بالإنسان والبيئة، في ظل سيادة المنافع والمتاجرة بمصائر الناس وصحتهم، التي هي الثروة الأغلى، من فقدها فقد حياته ووجوده على هذه البسيطة وببساطة شديدة، إذا ما أضيفت إليها منارات اللهب وأعمدة الدخان المنبعثة من حرائق يشعلها الجهلة ويعجز عن إيقافها أولو الأمر.

كيف أصل إلى الشارع الفلاني؟ يسأل أحدهم. فتأتيه الإجابه بديهية، لا تحتاج الى شرح أو كبير عناء للإيضاح والتفسير: أنظر الى جبل النفايات المعانق للطريق وتابع السير لتصل الى المفرق الأول الذي يقودك الى هدفك مباشرة. أبشر، المعالم واضحة ثابتة، لن تتوه معها أبدا، وهي منذ أشهر تنافس زينة الشوارع في الأعياد والمناسبات.

أما في فصل الشتاء ومع الأمطار الغزيرة، فالسيول الجارفة تشكل لها خطوطا جارية تفيض بما تحمله من نفايات عائمة تعبر المناطق بزهو وخيلاء وفيها من كل صنف ولون ورائحة… مشاهد باتت تتكرر مع كل عاصفة وموجة من الأمطار فهل يعقل أن تصل الأمور الى هذا الدرك الخطير من التعوُّد على الغرق بنفاياتنا واستنشاق روائحها وسمومها والأخطر فيها غير محسوس يتسرب الى أجسامنا في غفلة منا، ولا نحرك ساكنا.

نشط الباحثون والمتخصصون بمتابعة نسب السموم في أجوائنا وحذروا وما يزالون من كمياتها المتزايدة ومما سيكون لها من انعكاسات خطيرة على الصحة العامة وما تزال الإجراءات خجولة متثاقلة لا تؤدي الى نتيجة، وعلى اللبنانيين جميعا أن يتحضّروا لكوابيس بدأت تقضّ مضاجعهم، والقادم من أيامهم محكوم بالمرض والاعتلال في بلد طالما تغنوا بهوائه العليل ومياهه العذبة، فلا الهواء عاد نقيا ولا المياه صافية.

سواء وُقِّعت اتفاقية الترحيل أم لا، الأمر سيّان طالما أن الحلول مؤقتة والأزمة التي سيدفع الناس من جيوبهم ثمن تأجيلها المؤقت ستتجدد بعد انقضاء مدة العقود المبرمة، وسنعود الى التقاتل حول جنس الملائكة، فيما الحلول واضحة والخطط موجودة، ولا تنقصنا الكفاءات القادرة على التعامل علميا مع الأزمة، وقد ضج الإعلام باقتراحات علمية واقعية تحاكي تجارب الدول المتحضِّرة، ومحاولات مناطقية ناجحة خُنقت في مهدها بذريعة غياب الموازنات وعدم القدرة على الأكلاف، فأيهما الأبقى كلفة ترحيل تتنفع منها الشركات وسماسرة الصفقات ولا تضع نهاية للمعاناة، أم خطة مدروسة تفعِّل عمل البلديات وترشد المواطن الى أصول التعامل مع نفاياته كخطوة أولى تمهِّد للفرز فالتدوير والطمر الصحي لما يتبقى، والمصانع أحوج ما يكون الى جزء لا يستهان به من المواد الأولية التي تشكل قسما من نفايات تفيد تجارب العالم قاطبة على أن فيها ما يكفي من مصادر الطاقة والسماد وخلافه؟!.

يبقى السؤال الأساسي مع الجدل السياسي والبيئي القائم منذ أشهر ومع تحرير أموال البلديات، هل ستشكل هذه الأموال مصدر تمويل يضاف الى الأموال، التي قررت الحكومة تخصيصها للانتخابات البلدية إن حصلت، لنعود الى البكاء على الأطلال والنَّدب على مصائر قاتمة مع السياسات المضللة القاصرة عن حلِّ أزمة هي في عرف دول العالم، حتى النامية منها، من بديهيات إدراة الشأن العام، ولا تحتاج الى كل هذه الضجة المُثارة، اللهم إذا حسنت النيات واستيقظت الضمائر وكان القرار جديا ببناء وطن حقيقي يحترم كرامة الإنسان.

مقارنة بسيطة بين أكلاف الحل المستدام وما سيصرف على الترحيل ولاحقا على الاستشفاء ومعالجة الأمراض الناجمة عن التلوث وسموم النفايات الخانقة وما ستتسبب به من تشوهات وعاهات قد تفي بالحاجة وتضع حدا للمفاضلة لصالح الاخير، والمعيار في ذلك للقرار السياسي والضمائر الحية أو ما تبقى منها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى