ألف باء بقلم فاطمة طفيلي

فيروز شمسنا وهم الغبار

fairouz

فاطمة طفيلي

لطالما تحدثنا ونتحدث بحسرة وألم عن الزمن الحاضر وما آلت اليه الأحوال من تدنٍ في الأخلاق وغياب للضمائر وتوحش في التعاطي مع كل ما يعني البشرية من مواضيع وعناوين في زمن بات الإنسان فيه مجرد رقم على لوائح ضحايا الحروب والأحداث وما أكثرها في المنطقة والعالم، لكن أن يطال الانحطاط والتشويه رموزا أرقى من ان تُمس، وأسمى من تطالها نفوس حاقدة هي الأولى بأن تُسأل عن الاستزلام والتبعية وعن التلفيق والدس واللف والدوران خلف رؤوس الأموال، وعن قائمة الخفايا في مسيرة حافلة باستثمار الأقلام ورهن نتاجها بالعطايا والهبات والأنعام تحت مسميات مختلفة يحدد مضامينها وأهدافها أولياء النعم، فتلك هي المصيبة الأدهى.

أن يصل هؤلاء الى هذا الدرك بالتطاول على أيقونة الشعوب في كل الأقطار العربية وليس في لبنان وحسب، توأم أرواحنا وأنيس صباحاتنا ومساءاتنا وكل الأوقات الحلوة التي نأنس فيها الى هذا الصوت الملائكي، فهذه فعلا نهاية الزمن الجميل…

فيروز المغزولة ذكرياتنا على نول أغانيها، والمنسوجة حكايانا على أنغام مواويلها، تطرز بصوتها أثواب عرائسنا لتلمع الأساور، وتزهو الخواتم في أيدي العشاق والمحبين وتحلو اللقاءات…

فيروز رافقت خطواتنا أطفالا وواكببت افراحنا وأتراحنا كبارا، فحجزت لها المكانة الأبقى في الوجدان، كيف لا وهي من يغفو أطفالنا على هدهاتها، ويذهب الأب الى العسكر فتغدو خبطة قدمه على الأرض هدارة ليعود منتصرا، تحكي الجدات قصص بطولات وأمجاد بلغ صداها عنان السماء، ليرتفع علم لبنان رمزا وشعارا لأغانيها… وفي البال دائما صدى محببا لحكاياها ووشوشاتها…

فيروز الشادية بلبنان حبا وفخرا، والمطله على بلداته وقراه من قانا الجنوب الى بيروت مينا الحبايب، والمحاكية لبطولات جيشه ومقاوميه والساهرة أبدا على جسر القمر تجمع ما تفرّق، وتصل ما انقطع بين الأهل والأحبة، ستبقى حاضرة طالما بقي قمر مشغرة وبدر وادي التيم يشرقان في ليالينا، وطالما بقي الأبيض الناصع يكلل قمم جبالنا حيث استوطن شادي ليلعب على الثلج بعد رحلة فيروزية، وطالما بقي في الارض بعض من غلال يجمعها الحصادون…

هذه الفيروز لن يضيرها بعض من ترهات رخيصة حاكتها خيالات رؤوس أصابها الخواء فاجتهدت وافترت حيث لا صوت يسمع ولا صدى يتكرر، والخيبة هي الحصاد…

فيروز حليفة الشعوب المقهورة والناس المجروحين، فيروز شآم العروبة وفلسطين القضية، زهرة المدائن الخالدة في نواحي القدس العتيقة، فهل ما يزال هؤلاء يتذكرون ان قدسنا سليبة وأهلها معتدى عليهم وحقوقهم مغصوبة، وأن بلاد الشام وأرض العروبة هدف لبرابرة العصر من أذناب الغاصب المحتل وحلفائه؟.

اطمئني فيروز، حتى الصفعة هي تكريم لمن لا يستحقون الرد او مجرد الذكر، وإن ذكروا فمن يعرفهم واسمك ولبنان صنوان حيث تُذكرين يعرف، وأينما تصدحين يحضر بقوة مزهوا مختالا…

فيروز لا تكترثي بما يقال وأنت العز الذي لم يغبِ ولن يغيب، ولك في القلوب ما لا يقوى على محوه جبابرة الأرض فكيف بالصغار الأشقياء!…

فيروز اطمئني، كنت ولا زلت ربيبة المحبة والخير، وعنوان الصدق والإحساس المرهف لا تعرفين للكراهية طريقا، عدوك الأوحد هم الناس الحاقدون، وكأسك المعشوقة هي تلك المملوءة حبا جمعناه من شغاف قلوبنا. ومادتك الأحب هي نحن الثروة التي لا تنضب ولا تصرف في أسواقهم، أسواق النخاسة والارتزاق، وعند عبيد يستمرئون السلاسل بمحض إرادتهم ولا يعرفون للحرية معنى، يا ملكة الحب والحرية، نحن جمهورك الوفي المخلص…

يبقى يا فيروزنا أنك متآمرة بحق لأنك بفنك ورقيك تمكنت منا وجعلتنا أسرى دائمين في محراب حبك وتقديرك… أنت شمسنا المشرقة وهم الغبار الزائل…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى