بقلم ناصر قنديل

ماذا يمكن أن يكون سيناريو السابع من أيار مجدداً؟

nasser

ناصر قنديل

– ما يجري هذه الأيام في لبنان يقع بين حدّي الاستعداد لربع الساعة الأخير واقتراب التسويات، وما يعنيه من سعي القوى الإقليمية الواقفة على ضفة الخاسرين لتحسين أوضاعها وعلى رأسها تركيا والسعودية، باللعب بالتوازنات واختبار الخيارات، من جهة، وقرار دولي ممسك بالقرار الإقليمي الراغب بالعبث، بعدم ترك لبنان يذهب إلى المواجهة المفتوحة التي تعني تعريض توازنات الجوار إلى الاهتزاز، من جهة أخرى، وتوازنات الجوار تطاول أخطر الملفات، ففيها معادلة الحرب على سورية، ومعادلة الردع في وجه «إسرائيل»، والحسابات الدقيقة لا تستطيع تقديم أيّ إيجابية لهذا العبث، فلا أمل يرتجى من تحسّن الموازين لمصلحة «إسرائيل» وخصوم الدولة السورية معاً، ولا أمل أصلاً بتحسين الموازين لمصلحة «إسرائيل» مقابل خسائر في سورية، وهذا في حال حصوله لا يفيد السعودية وتركيا، لأنّ مستقبل وزنهما النوعي يتقرّر في سورية، والأمل بترتيب تحسين في موازين الحرب على سورية ولو رتب خسارة إضافية من حساب «إسرائيل» قبل وضعه في الاختبار ممنوع أميركياً، لأنّ «إسرائيل» ليست في وضع يؤهّلها لتحمّل الاختبارات.

– الخط الأحمر الذي يسعى الأميركيون لتفادي عدم تخطيه، هو المضي في استفزاز حزب الله، حتى يصرف فائض قوته في الداخل اللبناني على غرار ما فعل في السابع من أيار، والخشية هذه المرة من حركة تقلب الموازين بصورة دراماتيكية تصير السابع من أيار شيئاً بسيطاً بالقياس إليها، وتنشأ عنها وقائع ومعطيات تجعل أيّ تفاوض على الملفات الإقليمية وليس فقط على الملفات اللبنانية يجري تحت سقوف جديدة، بدءاً من سورية وانتهاء باليمن، ويصير لبنانياً بالتحديد أنّ العماد ميشال عون المرشح الرئاسي المدعوم من حزب الله مرشحاً وحيداً، ولا يعود حتى للقبول الدولي والإقليمي بوصوله للرئاسة أيّ ثمن أو تعويض، وربما يشمل ذلك التخلي عن معادلة ثنائية رئاسة الجمهورية للعماد عون ورئاسة الحكومة للرئيس سعد الحريري، ويكون الخيار الفوري انتخابات رئاسية تأتي بالعماد عون إلى بعبدا وحكومة لثلاثة شهور تشرف على انتخابات نيابية وفقاً لقانون يعتمد النسبية، ليولد من المجلس الجديد تشكيل حكومي قد يحمل تغييرات هيكلية في تمثيل الطوائف في ضوء المتغيّرات التي قد تتيح لحلفاء حزب الله التمركز في الرئاسات الثلاث.

– عندما يذهب لبنان إلى الحسم وينتهي بهذه الخلاصة ترى المراجع الغربية المعنية أنّ التفاوض في سورية سينخفض سقفه كثيراً بالنسبة إلى الغرب وحلفائه الإقليميين، ويصير لدى حزب الله ما يتيح أن يرمي بفائض قوته كله في سورية مطمئناً إلى داخل لبناني ممسوك من دولة حليفة رئيساً للجمهورية ورئيساً للحكومة وحكومة وقائداً للجيش وقادة أجهزة أمنية، ورئاسة مجلس النواب بأيد أمينة أصلاً، وعندها سيصير الخيار السوري حسماً عسكرياً تغطيه معادلة سياسية لا تتيح للغرب وحلفائه فرض إملاءات لا بهوية حكومة الوحدة الوطنية ولا بشروط رفع الغطاء عن الإرهاب، ويصير التسابق على الشراكة مع سورية في الحرب على الإرهاب منعاً لانتصار أحادي يربك الحسابات، كما فعل الأميركيون عندما تمّ تحرير تكريت ومحافظة صلاح الدين بقوة عراقية ودعم إيراني من دون مشاركة التحالف، وعندها أيضاً يصير الحساب الإيراني لمدى الحاجة لمراضاة السعودية في اليمن محدوداً، وربما معدوماً بعد فعلتها اللبنانية فتطلق يد الحوثيين وتقدّم لهم ما يحتاجون لحسم الوضع لمصلحتهم وتحويل الوجود العسكري المباشر للسعودية ودول الخليج المشاركة إلى مستنقع يغرقون فيه، ولا يعرفون منه خلاصاً.

– يردّ البعض على هذا السيناريو بالقول إنّ زمن السابع من أيار وشبيهاته قد ولى إلى غير رجعة، وإنّ الحديث عن صرف حزب الله لفائض قوته في الداخل اللبناني نوع من التهويل، فماذا يمكن أن يفعل حزب الله؟ هل يحتلّ العاصمة بيروت، ولكم من الوقت؟ وماذا سيقول للبنانيين، ومن سيواجه؟ الدولة اللبنانية وأجهزتها وجيشها؟ أم يزحف إلى طرابلس؟ ويضيف هؤلاء أنّ ظروف السابع من أيار تغيّرت، لأنها استندت إلى وجود شبه ميليشيا لدى تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، وهذا انتهى منذ السابع من أيار لأنه فقد مبرّراته واثبت فشله، ولذلك لن يجد حزب الله أمامه إلا الدولة التي سيحتمي بها الجميع، وسيكون قد خسر خسارة كبرى إنْ غامر بدخول لعبة الأمن مرة أخرى، فقد يتمكّن في اليوم الأول من السيطرة العسكرية لكنه في اليوم الثاني سيكون قد أخذ البلد إلى الفوضى، وسلّم تنظيم «القاعدة» قيادة الطائفة التي يريد لها البقاء في ضفة الاعتدال ويقول إنه يسعى لتفادي الفتنة معها، تقول هذه المصادر إنّ غلطة الشاطر بألف، فهذه الغلطة من جانب حزب الله ستبدّد قدرة الردع في وجه «إسرائيل» وتنعكس على كلّ موازين المنطقة سلباً عليه وعلى كلّ حلفائه.

– مصدر ديبلوماسي غربي يسهم بمتابعة الوضع في لبنان، يقول في مجالسه إنّ لديه سيناريو لما يمكن أن يفعله حزب الله بفائض قوته عندما يريد تخطي حسابات التوافق إذا عبث بها خصومه، من دون أن يمسّ بالجيش اللبناني ولا بالأجهزة اللبنانية ومن دون أن يقع في محظور الفتنة، أو التواجد العسكري بين المواطنين، بصورة تتآكل فيها قوته. ويقول المصدر إنّ لديه تسميات لخمسة مناطق مهمة استراتيجياً، ينطبق عليها هذا التوصيف ويستدعي حسمها بضعة أيام إذا أراد حزب الله فعل ذلك دفعة واحدة وبالتوازي، ويكفي حسمها ليتغيّر المشهد اللبناني والإقليمي، ويختفي بعد أيام حزب الله عن المشهد العسكري والأمني، ولا يظهر في الصورة إلا الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، ولا تمسّ القوى السياسية في حرية التعبير والتحرك بسانحة تتيح اتهام حزب الله بالعبث بقواعد الحياة السياسية اللبنانية، ومن دون انتباه وعلى رغم الرغبة بالتصعيد سيجد الجميع في سرّه أنّ ما فعله حزب الله عمل وطني صرف عاد بالخير على لبنان وجميع اللبنانيين، وانه كان يحجم عنه مراعاة لشريك لم يراع قواعد الشراكة.

– يسأل المصدر الديبلوماسي زواره ومستمعيه قائلاً: تخيّلوا معي قيام وحدات حزب الله بتوقيت واحد وبعملية جراحية محسوبة وسريعة ومتدحرجة يضع فيها ثقله النوعي، تطاول مدينة عرسال وتنظيفها من تنظيمي «داعش» و»النصرة»، ومواصلة الحسم حتى إنهاء قضية العسكريين المخطوفين، مهما كانت التكلفة لوضع حدّ لهذا الابتزاز المفتوح، من جهة ومخيم عين الحلوة من جهة أخرى، وخلال أيام تنسحب وحداته ويتسلم الجيش والقوى الأمنية بالتعاون مع الأهالي ولجانهم، والقوى الوطنية الفلسطينية، مهام الأمن؟

– يخلص المصدر الديبلوماسي بالقول، لهذا ننصح شركاءنا الإقليميين وحلفاءهم اللبنانيين بالتريث قبل العبث مع حزب الله بصورة تشعره بأنّ قرار كسر التوافق قد اتخذ، وأنّ مراعاته لهذا التوافق صارت بلا معنى، ونقول لهم ضعوا في حسابكم أنّ بقاء الحكومة سقفاً لهذا التوافق هو الشرط الأول لتصل رسالة التمسك بقواعد الاستقرار ويحترمها حزب الله.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى