بقلم ناصر قنديل

التحالف الأمني الثلاثي

nasser

ناصر قنديل

– منذ إعلان داعش السيطرة على أغلب محافظات الشمال والوسط العراقية، ونجاح وحداتها بالسيطرة على محافظة الرقة السورية وأجزاء أساسية من محافظتي دير الزور والحسكة ومناطق هامة في ريف حلب لم يعد التكامل العراقي السوري موقفاً سياسياً وإستراتيجياً مطلوباً من العراق لنصرة سورية بوجه ما تتعرض له من مخاطر ويخاض ضدها من حروب، ولم يعد العراق مجرد الممر الإستراتيجي بين سورية وإيران، يخوض مخاطرة استجلاب الغضب التركي والسعودي والأميركي لقيامه بهذا الدور.

– بالرغم من نجاح العراق حكومة وجيشاً وحشداً شعبياً بحماية مناطق الكثافة السكانية من توغل مجموعات «داعش»، ونجاحه بقوة تلاحم هذه الكيانات والمكوّنات في امتصاص الهجوم الصاعق والمنسق والمبرمج لـ«داعش» على رغم الذهول الناجم عن الانهيارات المفاجئة في تشكيلات الجيش العراقي، إلا أن الأكيد هو أنّ العراق الأوفر في موارده المادية والبشرية لرفد ساحات القتال بمستلزماتها، لا يملك جيشاً على هذا القدر من الثبات والقدرة على التحمل والتمرس بالقتال التي أظهرها الجيش السوري، ولا يملك قيادة عابرة للطوائف في غالبية راجحة بين كل منها كما هي حال الرئيس السوري، ولا يملك قراراً مستقلاً عن أي تدخل أو مداخلة خارجية كما هو القرار السوري، بينما هو عرضة بالمقابل لخطر التقسيم والفتنة أكثر بكثير مما هي سورية.

– فيما تشكل الحرب مع «جبهة النصرة» هماً سورياً لبنانياً مشتركاً، يتولاها تنسيق عالي المستوى بين الجيش السوري والمقاومة يثبت فاعليته وقدرته على التحكم بمسار المواجهات وتحقيق الانتصارات على رغم كل ما رافق هذه المواجهات من مد وجزر، وعلى رغم غياب مكون رئيسي لا بد منه لاكتمال شكل المواجهة وهو الجيش اللبناني، يشكل القتال ضد «داعش» هماً عراقياً سورياً مشتركاً، وعلى رغم الدور المحوري في هذه الحرب للحشد الشعبي، إلا أن التكامل بين الجيشين السوري والعراقي يشكل أكثر من ضرورة، كذلك التكامل بين الأجهزة الأمنية في البلدين.

– وقف الأميركيون بقوة ضد مشاركة الحشد الشعبي العراقي في الحرب على «داعش» لأنهم كانوا لاعتبارات سياسية تفاوضية يريدون إخضاع الحكومة العراقية لتنازلات سيادية تتصل برغبتهم بتسليح ميليشيا طائفية موازية للحشد الشعبي تضع العراق على مسار الفتنة والتقسيم تناظر ما هو قائم بين وجود الحشد الشعبي والبشمركة كقوتين مستقلتين ومتناظرتين، وفي المقابل كان الأميركيون يضعون ثقلهم لمنع التكامل والتنسيق السوري العراقي لاعتبارات لا تقل أهمية تتصل برغبتهم في إطالة أمد الحرب مع «داعش» واستعمال هذه الحرب لاستنزاف البلدين، ولكن وبصورة خاصة لترجيح كفة خياراتهم ومخططاتهم تجاه مستقبل الدولة السورية، القائمة على استيحاء النموذجين اللبناني والعراقي في توزيع المناصب السيادية على الطوائف من جهة ولتسويق دور لـ«جبهة النصرة» كقوة معتدلة بديلة لمشروعهم الفاشل باستيلاد معارضة سورية معتدلة يتأكدون كل يوم من كونها مجرد وهم وفانتازيا، وكذلك رغبتهم في حفظ مراكز تأثير في مستقبل سورية لحلفائهم التركي والسعودي و«الإسرائيلي»، الذين فشلوا بالإمساك بأي ورقة قوة في المنطقة تجعل منهم شركاء إقليميين لإيران في زمن ما بعد توقيع التفاهم النووي.

– الواضح أن الأميركيين اضطروا للتسليم بدور الحشد الشعبي مع ظهور إرادة عراقية حاسمة، تقول إن التهديد الذي يمثله تقدم «داعش» لا يمكن الفوز بمواجهته من دون هذا الدور المحوري للحشد الشعبي، وسيكون موقفهم مشابهاً عندما تحسم الحكومة العراقية أمرها وتضع التنسيق السوري العراقي في مرتبة مصيرية موازية، خصوصاً أن قوات «داعش» تتقن المناورة في امتصاص الهجمات التي تتعرض لها في العراق بالنزوح بقواتها عبر الحدود السورية، ولن يكون مفيداً تنظيف الأرض العراقية من وجودها وتوقع عودتها عندما تتعرض لهجمات من الجانب السوري، بحيث يستحيل خوض الحرب إلا بصورة منسقة ومتكاملة على الجبهتين سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً لضمان الفعالية والجدوى والنتيجة النهائية.

– التوقيت الذي يطرح فيه التنسيق الأمني هو توقيت مناسب يقترب من نهاية التفاوض حول الملف النووي الإيراني، الذي يبدو واضحاً الاتجاه نحو نهاية إيجابية للخلافات المحيطة فيه من جهة، وتبدو إيران بعده شريكاً لا غنى عنه في الحرب على الإرهاب وفي ترتيب الخرائط الإقليمية وصناعة التسويات فيها، من جهة أخرى، وتتقدم سورية بطبيعة الحال لائحة هذه التسويات، بينما يبدو حلفاء أميركا الذين حرصت دائماً على حفظ مواقع وأدوار لهم، وقد دخل كل منهم في حالة من المتاعب التي لا تتيح له أن يكون شريكاً في هذه التسويات، عدا عن تورط كل منهم بمواقف تقترب من إعلان التمرد على السياسات الأميركية كل في مجال، فتركيا الخارجة من الانتخابات التي هزمت طموحات ودور حزب العدالة والتنمية هي غير تركيا اللاعب القادر إقليمياً على الحركة بعنوان السلطنة العثمانية ومشروع الإخوان المسلمين، وتركيا الحاضن لـ«داعش» بأوجه متعددة مباشرة وغير مباشرة تصير عبئاً على مستقبل التوجهات الأميركية بعد نهاية مرحلة وبداية مرحلة مختلفة كلياً، حيث يصير أقل المطلوب وقف تأمين المرور الآمن للمال والسلاح والرجال. والسعودية بعد حرب اليمن هي غير السعودية قبلها، والسعودية التي تنشر الوهابية مطلوب منها الكثير لتصير شريكاً صالحاً ومفيداً في الحرب على الإرهاب. و«إسرائيل» في ظل معادلات الردع التي فرضتها المقاومة هي غير «إسرائيل» التي تعربد وتهدد بقدرتها على الحروب وتحتاج واشنطن لمراضاتها منعاً لاندلاع النيران والحرائق، كما أن «إسرائيل» التي تمولها وتطعمها وتحميها أميركا لا تستطيع أن تكون عبئاً على السعي الأميركي لضمان أمنها وقد صار طريقه الوحيد جلبها لتسوية مقبولة فلسطينياً وممكنة التحقق، لكن مبكرة للقضية الفلسطينية، لا تزال العنجهية «الإسرائيلية» العقبة الأساسية في طريق تحققها.

– تكامل ثلاثي سوري عراقي إيراني، يبدو ضرورة وإمكانية في المرحلة الراهنة، خصوصاً أن درجة الشراكة الإيرانية في عناصر القوة والصمود لدى كل من العراق وسورية من جهة، ووجود الدور المحوري المشابه لحزب الله في لبنان وسورية والعراق من جهة مقابلة، يسمحان بتحويل الثنائي السوري العراقي محاطاً بثنائي من فائض القوة والقيمة المضافة ليتشكل حلف رباعي قادر على تحقيق الانتصارات والبدء بالهجوم المعاكس الذي ظهر من معارك الحشد الشعبي والجيش العراقي في الأنبار أنه ممكن، كما ظهر من معارك الجيش السوري والمقاومة في القلمون أنه ممكن جداً، لتصير معركة تدمر والرمادي معركة واحدة تفتح ملف وجود «داعش» وتضعه على بساط البحث الجدي، ليكون هذا الصيف مفصلاً حاسماً في رسم خريطة جديدة للقوة في المنطقة كلها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى