بقلم ناصر قنديل

حقارة كيري… وعفة نتنياهو

nasser

ناصر قنديل

– شيئاً فشيئاً يجد الحاقدون على سورية من العرب واللبنانيين، أنفسهم في الخندق «الإسرائيلي»، على رغم أنه الخندق المهزوم، وعلى رغم وجود فرص أمامهم للبقاء خارج القارب الغارق ووجود قوارب نجاة، وشيئاً فشيئاً لا يعود اللقاء مع «إسرائيل» مجرد تلاق في المواقف، فها هو رئيس الاستخبارات «الإسرائيلية» تامير باردو يجتمع في الرياض بنظيره السعودي خالد الحميدان، وتكتب الصحافة «الإسرائيلية» الخبر، كخبر رسمي، وليس تسريباً خجولاً أو متحفظاً تفادياً للحرج.

– شيئاً فشيئاً يصير العداء للمقاومة، التي بسببها صارت الكراهية لإيران والعداء لسورية، أكبر من العداء لـ«إسرائيل»، ويصير التآمر على المقاومة ومن يدعمها، خصوصاً سورية وإيران أمراً تمكن المجاهرة به علناً، كمفهوم جديد للأمن القومي عند أنظمة عربية كثيرة.

– ليس لدى أميركا كما تقول أدبيات كتّابها ونخبها، مشكلة مع النظام السياسي في إيران ومرجعيته الدينية، ولا امتلاكه للطاقة النووية، حتى لو صارت برنامجاً عسكرياً، ولا بنفوذ إيران الإقليمي، وقد سبق لأميركا أن باركت القنبلة النووية للهند وباكستان، أو تغاضت عنهما على الأقلّ، وسبق لها وسلّمت بدور مرجعي لإيران في الإقليم في عهد الشاه، وسبق لها في قلب المفاوضات الطويلة مع إيران أن نقلت لها عرضاً صاغه هنري كيسينجر، مضمونه الخروج من عنوان فلسطين مقابل ملف نووي وزعامة إقليمية، كلّ ما لديهم ضدّ إيران يصير حاضراً طالما تتمسك إيران بفلسطين، يعني بالمقاومة.

– ليس لدى أميركا كما يقول ساستها وتكتب نخبها ضدّ سورية، ما يسبّب أزمة أو نزاعاً، فمن يتباهي بالتحالف مع السعودية، آخر من يمكن أن يفكر بالديمقراطية، ومن يضع «إسرائيل» في طليعة حلفائه المحميين بالفيتو، آخر من يحق له التحدث عن حقوق الإنسان، وقد سبق وحمل عبدالله بن زايد وداوود أوغلو، وحمد بن جاسم، وميغل أنخيل موراتينوس، تحذيرات وعروضاً، محورها أنّ الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يشكل العداء له سبب الحرب العالمية على سورية التي صنعت لها لعبة سُمّيت ثورة لتستر عورتها، واستجلبت لها «القاعدة» لتكون تعويضاً عن نقص السوريين في نصرة ثورتهم، وقالت التحذيرات إنّ الرئيس الأسد يضع نفسه ونظامه في عين العاصفة بسبب بلوغه ما يتخطى الخطوط الحمراء في تقديم السلاح النوعي الكاسر للتوازن للمقاومة، وأنه يمكنه أن يكون محظياً بالدعم والمساندة اقتصادياً وسياسياً، ويقدم له حلّ سلمي لقضية الجولان، ومكانة عربية مميّزة، وضمانات بعدم المساس بنظامه، ولو صار ملكياً وحمل اسم عائلته لبلده كما هو حال السعودية، فقط إنْ التزم الاعتدال في تعامله مع المقاومة.

– قد يكون في سورية وإيران الكثير مما يستحق الاعتراض، لكن لا أميركا ولا أيّ من حلفائها في تركيا والغرب والعرب، كانوا ليتخندقوا في خط العداء لهما، لولا القرار الأميركي بإشهار السلاح عليهما، وأميركا لم تفعل ذلك إلا لأجل موقعهما وموقفهما من الصراع مع «إسرائيل».

– في المقابل ليس لدى أيّ عربي ما يبرّر العداء لأميركا، واعتبارها عدواً للعرب، إلا تبنّيها الأعمى للسياسات «الإسرائيلية»، ودفاعها عنها بما يفوق الحسابات المصلحية الأميركية، فمشاريع الهيمنة الأميركية تصير تشبيكاً للمصالح مع أنظمة مستقلة عندما تكون هذه الأنظمة موجودة، وها هو مثال كوبا الحيّ، لكنها في منطقة لا تقبل حتى الأنظمة التابعة ما لم تدفع مهر الالتزام بأمن «إسرائيل»، ولا يهمّ هنا أكان النظام علمانياً أم دينياً، ملكياً أم جمهورياً، فالمكان محفوظ لـ«الإخوان المسلمين» إنْ التزموا بأمن «إسرائيل»، سواء في مصر أو تونس أو سواهما، وعلمانيو تونس تهدر دماؤهم لأنهم يلتزمون خيار المقاومة.

– عندما يصير واضحاً أنّ إيران وسورية تُستهدفان لأجل تبنّيهما للمقاومة، ويصير واضحاً أنّ أميركا تستحق العداء عند العرب لدعمها الأعمى لـ«إسرائيل»، وفي لحظة تنعطف المصالح، فتكتشف أميركا عجزها عن المضيّ في تسديد فواتير «إسرائيل»، بعدما شاخت وعجزت، وصارت كسيحة، تريد من يطعمها ويحميها، وفوق ذلك تتعجرف وتريد إملاء السياسات، وفي ذات اللحظة تبدو المصالح تنعطف أيضاً، فتكتشف أميركا أن لا قدرة لها على مواصلة العداء لإيران والقطيعة والحرب على سورية، وتغتاظ «إسرائيل» وتغضب، وتنعطف المصالح فتتبنى «إسرائيل» «جبهة النصرة»، تماماً كما تبنّت جيش العميل أنطوان لحد في جنوب لبنان أيام الاحتلال، وتنعطف المصالح، فتفكر نخب «إسرائيل» بإقصاء بنيامين نتنياهو لأنه أفسد آخر أسباب قوة «إسرائيل»، وهي العلاقة بأميركا، ويصير بعض اللبنانيين والعرب أشدّ تمسكاً بنتنياهو من «الإسرائيليين»، يصير كلّ شيء واضحاً، ويصير الأمر فوق مستوى إدراك العقل البشري.

– يصير شعار بعض اللبنانيين والعرب، لا لحقارة جون كيري نعم لعفة بنيامين نتنياهو، فماذا عسانا نقول؟

– نقول دعوا الموتى يدفنون موتاهم، فاللعبة انتهت، والنحيب والعويل لن يغيّرا شيئاً فما كتب قد كتب، فليصرخ ما شاء البكاؤون، ولسان حالهم دجاجة حفرت على رأسها عفرت.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى