ألف باء بقلم فاطمة طفيلي

أنا دير ياسين .. أنا قانا

qana

فاطمة طفيلي

ضج العالم والإعلام بما فيه العربي مؤخرا بعبارة “JE SUIS CHARLIE” إثر الهجمة الإرهابية على الصحيفة الفرنسية الساخرة “Charlie hebdo “.

انتفضت باريس بملايينها، وبسرعة البرق هبّ القادة لاحتضانها ومساندتها في مشهد كان مبهرا بالفعل، لا بل صادما لامس حدّ الخزي والعار لعدالة شوهاء وضمائر عوراء، إن كانت هناك بقية منها، عدالة تصدر مشهدها إرهابي العصر وكبير جزاريه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان القائم على الجريمة والمجازر والعنصرية بحق الفلسطينيين أصحاب الأرض وأهلها، ومن لا تزال يداه تغرقان بدماء آلاف الأطفال العرب في فلسطين المحتلة وخارجها، ولم يقصّر كيانه بحق أطفال لبنان، ومثله مصر وسورية والعراق وبقية الأقطار العربية، ولم يكفه إلى الآن ما جلبه من ويلات ودمار ومجازر.

الكل أصبح “شارلي” والكل انتصر للعدالة والاقتصاص من الإرهاب والإرهابيين، فهل هي العدالة الحقة والأصوات الصادقة في رفض الإرهاب ونبذ الإرهابيين؟! وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين قدم هذا الكمّ من الإرهابيين، ومَن احتضن وساند وسلّح وموّل وما يزال، الآلاف منهم، وجُلّهم أجانب يدّعون الجهاد ونصرة الإسلام وهم شذاذ مارقون لا يفقهون من تعاليمه إلا ما يخدم نزواتهم وغرائزهم البهيمية.

وإذا كانوا استفاقوا وتنبهوا لخطورة الإرهاب بعدما بدأ السحر بالانقلاب على السحرة الناطقين بالعدالة زورا وبهتانا، فلماذا لا تقفل الحدود ويتوقف زحف الإرهاب، الذي لم تعرف منطقتنا بعد لهمجيته حدودا؟. لماذا لا تتوقف ادعاءاتهم الخرقاء حول الديمقراطية وحقوق الشعوب بالعيش الكريم والآمن، ألسنا بأعرافهم شعوبا تستحق الحياة؟! ولماذا تخفت أصواتهم بالحديث عن الثورات الحقيقية والمقاومات المناقضة لربيع حالك أرادوه عنوانا مضللا، يدجّنون به شعوب منطقتنا لإضعافها وإعادة تشكيلها بما يتلاءم ومصالحهم بالسيطرة ونهب الثروات العربية؟!.

ولماذا لا تتوقف استعراضات القوة وعروض التدريب والتسليح لمن يدّعون الاعتدال في ما يُشهرون من حروب لتفتيت الدول العربية الواحدة تلو الاخرى؟!.

وإذا كانت لديهم بقية من عدالة لماذا ينكرون على الشعب الفلسطيني أبسط حقوقه، ويتكتلون في أممهم المتحدة ومجالس أمنهم ضد أي مطلب حق لهذا الشعب المنكوب بالاحتلال الغاشم، يشهرون سلاح الإقصاء والنكران عقابا لكل من يشذّ عن قواعدهم ويخرق إجماع مصالحهم، وليس آخرها مطلب إزالة الاحتلال وإقامة الدولة؟!.

إذا كانوا قد اختاروا العدالة، فلماذا يُنصّبُون الجلاد قاضيا أول تحت قوسها؟!.

نحن شعوب عانت وكفرت بالإرهاب وأهله، ولسنا بوارد مناقشة ما إذا كان مستهدفو الصحيفة الفرنسية إرهابيين أم لا، ولسنا في معرض تأكيد المؤكد، ولكن من حقنا ان نسأل من يشهرون بوجوهنا على الدوام شعارات الحضارة واحترام الفكر والرأي والمعتقد، أليس المساس بالدين والإساءة للرسل والأنبياء جزءا من هذه الشعارات، ولماذا ركزت الصحيفة الفرنسية سخريتها على الإسلام والمسيحية واستثنت اليهودية مثلا؟!

أليس في الاستهداف ما يثير الاستغراب إن كان المستهدفون لا يعبأون بالدين وبرموزه، ويعتبرون أن حقهم في التعبير مقدس لا يحدّه دين ولا انتماء، ألا تتخذ الصهيونية من الدين ستارا لممارسة عنصريتها وجرائمها بحق الانسانية، فلماذا لا تشملها السخرية والمهانة؟ّ!.

أسئلة تخطر على البال ببساطة، وغيرها الكثير بالنظر إلى هذا الكمّ من التشوية للحقائق والاستهداف المبطَّن المهين المشوِّه للحقائق والمنافي للقيم والأخلاق؟.

ثم إذا كان الغرب يتعامل مع قضايانا المحقة بكل هذه العجرفة والمهانة، فما بالنا ننجر وراءه مهللين وعن قضايانا غافلين؟! ألا تستوي عدالة السماء المنشودة إلا باللغات الاجنبية، ما بها العربية، أليست أساس حضارتنا وعنوان انتمائنا القومي، فلماذا نتنكّر دائما لانتماءاتنا وأصولنا، ولما لا نزال عاجزين عن الاعتراض عندما ينكرنا الغرب وأزلامه؟!.

لماذا لا تعتبر الحقوق مشروعة إلا لمن يخالف الناطقين بلغة الضاد، ولماذا تتحرك العدالة تلقائيا على الايقاعات الاجنبية؟!

ألا يحق لنا أن نصرخ في وجه العالم أجمع ومن عشرات السنين: أنا طفل دير ياسين المذبوح، أنا من فلسطين المستباحة، أنا ابن قانا المقتول غدرا، من لبنان المقاوم للغزاة والصهاينة، أنا ابنة بغداد السليبة من العراق المشظّى على أيدي غزاة العصر وبرابرته الأصيلين، أنا السوري المشرّد والمصادرة آرائي عنوة وفجورا، والمستهدفة عزتي وكرامتي وانتمائي، أنا اليمني الذي سرقوا فرحي وما عاد بلدي سعيدا، أنا المصري المغلول الأيدي والهدف سلخي عن ابناء جلدتي، انا الليبي المسروقة ثرواتي، أنا التونسي التواق للحرية والخلاص… أنا وبكل بساطة جورج عبد الله.. أنا وأنا… واللائحة تطول والأسئلة لا تهدأ…

وبعد… عن أي عدالة يتحدثون، ومن هي الجهة الصالحة القادرة على رفع لوائها؟. بأي محاسبة يطالبون وللشعوب العربية في رقابهم آلاف القضايا المحقة مقابل الجحود والنكران، لا بل الاغتيال والاستهداف الدائم…

أليس الإرهاب واحدا أيا كانت ساحاته؟! وإن كان كذلك لماذا يصم العالم آذانه عن صراخنا الممتد عشرات السنين، وعلى مسافات الأرض العربية كلها، رفضا لإرهاب هم صناعّه منذ وعد بلفور المشؤوم إلى اليوم، وربما الآتي أعظم؟!.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى