ألف باء بقلم فاطمة طفيلي

في معرض الكلام عن المعرض…

kitab

فاطمة طفيلي

يحفل معرض بيروت الدولي للكتاب في عامه الثامن والخمسين بعشرات العناوين الجديدة في الادب والشعر والسياسة والاجتماع وغيرها من صنوف الكتابة للكبار والصغار ولكل أفراد العائلة، الصادرة عن دور نشر محلية وعربية وترجمات عالمية للمتميز من الكتب والمواضيع الراهنة، التي تستحق المتابعة للبقاء في صورة الاحداث. وككل عام تزدحم جهات المعرض بالدور المشاركة وتحتضن زواياها على مدى أيامه الممتدة لغاية الثاني عشر من كانون الاول من العام الآفل 2014، ولكن ماذا عن الزوار ونسبة المشترين وماذا عن كميات الكتب المباعة والموضوعات المطلوبة اليوم؟..

بقي المعرض لأعوام خلت مقصد القراء والمتابعين يرصدون الموازنات السنوية لزيارته والعودة بما يرضي نهمهم للقراءة وشغفهم بالمعرقة، بمؤونة تؤنسهم طوال فترة غيابه بانتظار العام التالي، وما سيحمله من جديد، مستفيدين مما يتيحه المعرض من حسومات، وهي فرصة لا يجوز أن تفوت أيا منهم، يتواعدون على اللقاء في أروقته، يتبادلون الآراء والنصح بشأن الكتب الأكثر إفادة، والتي تستحق القراءة.

كان عبق الكتب المرصوفة بعناية في جنبات المعرض يكاد يخنق المتنقلين بصعوبة في أروقته نتيجة كثافة الأقبال، ينهكهم الدوران تائهين بين وفود حجبت عنهم الوجهة المقصودة، صعوبة ممزوجة بفرح الفوز بالجديد قبل نفاذه أو العثور صدفة على قديم لم تتح لهم رؤيته من قبل. كان للورق الجديد الممزوج بالحبر، وقد خرج لتوه من مطبعة دفعته سريعا في أتون سباق محموم على الصدارة سحر خاص يشعر الزائر بلذة الفوز بالقيمة المضافة.

كان الزوار يتوافدون على المعرض جماعات ووحدانا ولا تكفيهم منه زيارة أو اثنتين، يتبخترون متأبطين كدسات مما وقعوا عليه، بعناية الخبراء وحنو العارفين بقيمة ما يحملون من كنوز الثقافة والمعرفة.

تغير المشهد اليوم بتغير الأحوال والاهتمامات، وتلاشت تلك الصور الجميلة. حتى العناوين والموضوعات فقدت بريقها، وقد غرقت بمعظمها في لجة مناقشة السائد، معللة أفكارا طارئة وعناوين أزمات أغرقنا تداولها في التخلف والردة، وألقى بنا في ظلمات الجهل والتخلف.

دور النشر المواظبة على الحضور هي ذاتها لم تتغير، وإن زاد عددها أو تراجع بنسب متفاوتة، ليبقى التغيير محدودا بالنظر لما يمكن أن تقدمه الدور الحاضرة، ومدى تفاعل الجمهور معه، علما أن مساحة الكافتيريا في الجهة المقابلة باتت أكثر رحابة، وتتسع لعدد أكبر من الرواد.

جديد المعرض الذي كانت زيارته تحتاج لساعتين على الأقل أنك قادر على التجوال فيه في أقل من نصف ساعة، تعترضك تجمعات هنا وهناك في زوايا الدور، لأصدقاء وأصحاب ومعارف تلاقوا على شراء تواقيع في احتفاليات تشجيع تقتصر على تلك الزوايا حصرا، ينجز أصحابها مهام المجاملة ويغادرون غير عابئين ببقية الأقسام، اللهم إلا إن جمعت الدعوات في الموعد ذاته أكثر من توقيع لصاحب أو زميل.

يشدك وأنت تتجول في المعرض كثير من الهمس المعبّر عن واقع الحال، فهنا سيدات تشير إحداهن إلى عنوان مجموعة طبخ، لتفاخر أخرى بأنها اشترتها العام الفائت، وهناك شبان أزعجتهم عجقة عناوين دينية يرون أنها منحازة لفئة دون غيرها، بما يعزز التعصب والانقسام. والأطرف في ما تسمع تلك التعليقات المثنية على حضور وزارات الثقافة والإعلام بمعروضات غير مخصصة للبيع “خي هيك أريح”، أو وسائل الإعلام التي تمد زوارها بعناوين الكترونية تتيح لهم المتابعة المجانية، وتعفيهم من أكلاف الشراء وتبعاته في هذه الأوقات العصيبة…

وفي النهاية يمكن اختصار الجولة في المعرض بلفة سريعة على معروضاته بعد المشاركة في ندوة أو حلقة حوار تمت الدعوة اليها، زيارة سريعة وعصفوران بحجر واحد، ولا حاجة لأكثر من ذلك. والأدهى أن يكون الهدف من الزيارة مجرد مشوار لتغيير الأجواء والهرب من حال الزهق والمراوحة اليومية.

واقع مر ومؤلم لتظاهرة ثقافية يمكن التعويل عليها في التغيير وإعادة الألق للكتاب كقيمة فكرية وأداة للمعرفة. واقع يأخذ بجريرته فئة من الكتاب، أرادت المضي في تحفيز العقل على الثقافة والتنوير، وذهبت محاولاتها سدى في ظل سيادة التسطيح والتسخيف والعناوين الباهتة، التي لا تساوي قيمتها ثمن الحبر الذي كتبت به. لكن يبقى الأمل في التغيير قائما مع استمرار هؤلاء على قلتهم وانحسار عدد متابعيهم. وسنبقى نتطلع إلى عودة لغة العقل والمنطق، وزوال لغات التزمت والتعصب والجاهلية، يوم يعود للغة الحق أثرها وفعلها المنشود.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى