بقلم ناصر قنديل

إفادتي في وجه إفادة مروان حمادة / 8

nasser

 تيقّن الرئيس رفيق الحريري من الصعوبات التي تعيق تحقيق رغبته في ترؤس الحكومة الأولى من الولاية الممدّدة للرئيس إميل لحود، لأنه سيكون وجهاً لوجه مع الرعاة الدوليين والإقليميين للقرار 1559 والذين ربطوا عبر مبادرة تيري رود لارسن قبولهم بتقديم التغطية لتسوية مع سورية بعد صدور القرار وتنفيذ التمديد، بقبولها مقايضة بقاء قواتها في لبنان ضمن المعادلة التي رسمها اتفاق الطائف بتوليها مهمة التعامل مع مستقبل سلاح حزب الله باعتباره جزءاً من بند حلّ الميليشيات وسحب سلاحها المنصوص عليه في الطائف، وسحب صفة المقاومة عنه، وهذا ما باتت محسومة استحالة الحصول عليه، كما بات واضحاً أن المكانة التي يحوزها النائب وليد جنبلاط لدى الراعييْن الأميركي والفرنسي للقرار 1559 تتقدم على المكانة التقليدية التي كان يختصّ بها الحريري، وصارت مشاركة الحريري كرئيس للحكومة في معادلة التمديد، ممنوعة طالما ستلحق الأذى بمكانة جنبلاط ومصالحه، لذلك كان الاعتذار عن عدم ترؤس الحكومة والتفكير في الانتخابات النيابية من موقع معارضة العهد، والولاية الممدّدة، ولكن على إيقاع يحاول تكرار تجربة عام 2000.

العقبة هذه المرة تتمثل في أنّ الجمع بين مناوءة الحكومة ورئيس الجمهورية من جهة، والتحالف مع سورية من جهة أخرى، يفتقد وجود مسؤولين سوريين يقودون هذه العملية كما فعل الثنائي عبد الحليم خدام وغازي كنعان يومها، فكيف وهو يفتقد الأرضية السياسية التي يشكلها التقاطع على الاستقرار في لبنان بين العمق الذي تشكله سورية والبعد الدولي الذي يحرص الحريري على تغطيته والذي توفره كلّ من باريس وواشنطن.

اختار الحريري في ضوء قانون الانتخابات الذي تبناه الرئيس إميل لحود مدعوماً من وزير الداخلية سليمان فرنجية، والقائم على أساس قانون عام 1960 الذي يلقى استحساناً مسيحياً، أن يبدأ بتوجيه رسائل الانزعاج إلى القيادة السورية، عبر عدة وسائل أهمّها إرساله كلّ من النائبين باسل فليحان وغطاس خوري للمشاركة في لقاء البريستول الذي كان يضمّ جنبلاط ونواب وشخصيات قرنة شهوان ، مكتفياً بتمثيل مسيحي نسبي ليقول، كما شرح لي في اللقاء الذي جمعنا في الخامس من شباط 2005 لاحقاً، لقد كنت كمن يقف على حافة هاوية، يقول لا تدعوني أترككم وأذهب وينتظر من يناديه ليسأله ما الحكاية ويبدي حرصاً على استرداده لا الاستهتار وتركه يسقط.

ساد الفتور هذه الفترة بين الحريري وبين حلفاء سورية، وبدا أنّ ماكينة حلفاء دمشق منشغلة بتشكيل حركة سياسية وإعلامية تنشط لتسويق القانون الجديد للانتخابات وتقديمه كمشروع ينصف المسيحيين، كما بدا أنّ سورية تستعدّ لمجموعة من خطوات إعادة نشر قواتها في لبنان وترك مناطق من جبل لبنان والشمال كانت تتمركز فيها، وتصاعد الخطاب الحريري ضدّ صيغة القانون الجديد، لكن التوازن النيابي الحاكم للتصويت عليه كان مضموناً لتمريره، والفكرة التي استقرّت في رأس الحريري، كان قد زرعها من وصفه لي في لقائنا الأخير، بالمصدر الموثوق جداً، وعلمت أنه عبد الحليم خدام، ومفاد الفكرة أنّ الرئيس السوري بشار الأسد هو وراء القانون لإضعاف الحريري وتحجيمه نيابياً وسياسياً، وكان أول ما أراد معرفته مني، عندما التقينا، كيف يمكن أن يكون القانون يحظى بهذه الدرجة من الدعم والتبني من الرئيس بشار الأسد، وأنت الذي ينظر إليه الكثيرون كمقرّب يحمل رأي سورية أو الأقرب إلى رأيها، تدأب على القول إنّ هذا القانون لن يمرّ أو تبشر بمعارضته؟

كان الحريري يعرف أنه يستحيل ولو كان لي رأي ضدّ قانون الأقضية أن أجاهر بمحاربته، وهو مؤيَّد من الرئيس لحود والوزير سليمان فرنجية. لو كان الرئيس الأسد يقف وراء هذا القانون، فالأرجح أن أقف على الحياد، لا أشارك في الترويج للقانون ولكنني لا أجاهر بمناهضته، إلا إذا صار مجرّد شأن داخلي صرف، يملك كلّ فريق داخلي حرية القول والتبني والرفض في شأنه، وينتظر جوابي الذي لم يكن إلا سبباً للمزيد من استغرابه، عندما أكدت له أنني سألت العميد رستم غزالة عن موقف سورية والرئيس الأسد من قانون الانتخابات، وأنني شخصياً لا أوافق ولا أرى مصلحة بقانون يعتمد النظام الأكثري والقضاء دائرة انتخابية، فقال لي إنّ حلفاء سورية منقسمون بين من يريد قانون على أساس الأكثري والقضاء كالرئيس لحود والوزير فرنجية، وهناك من يريد المحافظة على أساس النسبية كالرئيس نبيه بري وحزب الله، وسورية على الحياد بين حلفائها في هذا، وأنت طليق القول بما تراه قناعتك في هذا المجال.

غداً ما حكاية الودائع السورية على لوائح الحريري؟

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى