بقلم ناصر قنديل

إفادتي في وجه إفادة مروان حمادة/2

 nasser

يتابع مروان حمادة إفادته أمام المحكمة الدولية، ووراءه بروباغندا إعلامية مكلفة ومتكلّفة، ومكلّفة، تصوير ما يقوله بالأسرار الخطيرة التي ستهز المحكمة، وهو يتحدث عن الرئيس رفيق الحريري الذي كان في سرّه يسعى إلى خروج سوري من لبنان منذ عام 2000،

ولم يخرج بين القضاة من يسأله عن الآلة التي استخدمها لمعرفة كيف يمكن التعرّف إلى ما يفكر المرء في سرّه، لتستعيرها المحاكم الدولية في تحقيقاتها مع الشهود والمتهمين، ويستعيد حمادة مقالات جريدة «السياسة» الكويتية التي نشرت عن سيناريو الاغتيال في اليوم الذي تلى العملية بذات التسلسل، فهو قد يكون كاتبها، أو مستخفاً بالمحكمة ليحفظ كلاماً نشر في جريدة قبل قرابة العشرة أعوام، أو بكلّ الأحوال متقاسماً استغباء الناس بالشراكة مع القضاة الذين يشاركونه رسم الهالة والأهمية بدل التدقيق والتشكيك وفقاً لطبيعة مهمّتهم، فيشاركون في تقديم القراءة حيث يتنهّد القاضي المستمع بطريقة هوليودية، ليقول أنت تشرح لنا شيئاً خطيراً فلو تفصّل لو سمحت.

يقول حمادة عن كيف يفكر الرئيس الحريري في سرّه وعن ما عرفه وليس بين شهوده أحياء، بينما في ما كتبت في حلقة الأمس عن ما دار في كتلة قرار بيروت عشية التصويت على التمديد للرئيس إميل لحود قرابة العشرين من الشهود، هم أعضاء الكتلة والمنسّق محمد السماك، فيقول حمادة إنّ المناخ اللبناني كان يتعاظم للمطالبة بالانسحاب السوري من لبنان، وإن الرئيس الحريري كان مهتمّاً بهذا المناخ ضمن مشروعه الاستقلالي قطعة قطعة، كما قال حمادة، على طريقة البيع بالمفرّق، وكنت قد سردت كلام الرئيس الحريري عن لبنان المستقل واستسخافه من يتوهّم إمكانية بناء دولة مستقلة في لبنان في ظلّ استمرار الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وحصره الخيارات الواقعية بالانتظار، إما في الملجأ «الإسرائيلي» أو في الصالون السوري، وكيف أنّ الطائف برأيه هو هذا الصالون، وكيف أنّ رفض التمديد كان سعياً إلى تحسين شروط هذا الصالون السوري وليس «السويسري» كما قال، لكن القرار إذا خيّرنا بين ترك هذا الصالون بكلّ ما فيه من صحّ وخطأ أو البقاء فيه فهو أن نبقى.

يورد حمادة كلامه عن المناخ المتعاظم ضدّ الوجود السوري بإشارتين واحدة للبطريرك نصرالله صفير والثانية للنائب وليد جنبلاط، وفي حلقة مقبلة سأروي وقائع لقائي الأخير بالرئيس الحريري، الذي وثقت وقائعه مع لجنة التحقيق الدولية التي أعلنتني مشتبهاً به وداهمت منزلي في ذات يوم إعلان الضباط الأربعة ومداهمة منازلهم، وكنت في دمشق وعدت متحدياً، ومنه سأقتبس الشق المتعلق بموقف الرئيس الحريري من تحرك «قرنة شهوان» التي مجّد نشاطها حمادة واعتبرها شيئاً من الحريرية، ففي منتصف لقائنا، يوم الخامس من شباط 2005 قبل تسعة أيام من الاغتيال، وفيه كلام الحريري الأقرب زمنياً مما رواه حمادة عن لسانه حول نظرته ورغبته وفهمه وما يريده من العلاقة بسورية، نادى الرئيس الحريري للراحل وسام الحسن، وكلامي موثق لدى اللجنة قبل رحيل الحسن بسنوات وتحدّيت الحسن مراراً أن يكذب كلامي، وهو على رأس عمله رئيساً لجهاز المعلومات، وكان الحريري يريد أن يروي لي الحسن، من دون أن يوحي له بشيء، حقيقة نظرته إلى فريق «قرنة شهوان»، فقال للحسن أرو لنا لقائي على باب المصعد مع فارس سعيد، وهو يغادر منزلي عام 2000، فقال الحسن: كان سعيد يهمّ بالرحيل وسأله الرئيس، أيعقل أن يكون لعشرين سنة هذا الحجم من الحقد على سورية، فأجابه سعيد من دون أن ينتبه، أن الحقد عمره ألف وأربعماية سنة، وأضاف الحسن: رأيت وجه الرئيس يميل إلى السواد قائلاً وهو يرفع حاجبيه: يعني مشكلتكم معنا نحن المسلمين من يوم الفتح الإسلامي وليس مع نظام بعينه في سورية، وهنا طلب الرئيس الحريري من الحسن الانصراف ليستدير نحوي قائلاً: هذه هي حقيقتهم وأعرفها، ولذلك يستحيل أن يكون هؤلاء هم حلفائي، وحذرت وليد جنبلاط، من التمادي معهم، ولكن أنا شيء وهو شيء آخر ولكلّ فهمه وطريقته.

في هذه الجلسة نفسها، شرح الحريري موقف جنبلاط وشيراك بعدما توصلنا إلى التفاهم على بعض الخطوط الرئيسية لقانون الانتخابات الذي يمكن أن يشكل حلاً مقبولاً من الجميع، والذي سيرد في الحلقة الخاصة عن هذا اللقاء، وظروفه، وكنت اقترح عليه قائلاً إنه إذا سارت الأمور كما يجب، فربما بعد ترتيب العلاقة بينك وبين سورية، واستعادة من تسمّيهم حلفاء سورية إلى موقع واحد يصير ممكناً أن تستعيد جنبلاط وربما الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى علاقة جيدة مع سورية، فقال الرئيس الحريري: بالنسبة لجنبلاط أرى أنه ربطاً بمفهوم الانتظار بين الملجأ والصالون، فوليد قرّر الخروج من الصالون، ولا أمل باستعادته، الحدّ الأقصى الذي أستطيعه هو الحصول على موافقته على القانون الانتخابي الذي تحدثنا عنه، أما عن شيراك فأريد أنّ أقول لك شيئاً، بعد التمديد اتصلت طالباً موعداً وكانت العادة أن يسارع هو إلى أخذ الخط من هاتفه مباشرة لمجرّد أن يكون صوتي عبر الهاتف، مع السكرتاريا، هذه المرة لم يدخل على الخط، وتأخر الموعد، ولما التقاني، أحسست أنه يعاملني كمن خان صداقته، فهو يعتبر أنه وضع ثقله لصدور القرار 1559 وينتظر مني رفضاً صريحاً قوياً للتمديد، وقد خذلته، ولا أعلم كم يجب أن يمضي من الوقت كي يتخطى هذا العتب أو هذا الشعور.

بعد اغتيال الرئيس الحريري بمدة، قلت إنّ الذين أرادوا استعمال الرئيس الحريري حياً لضربه بسورية وفشلوا بحلقة التمديد، أعادوا الكرة بالملف الانتخابي، ولما أحسّوا أنه سيعيد ما فعله يوم التمديد، صارت الطريقة الوحيدة لتوظيف الحريري في الحرب على سورية هي قتله، وحمادة للأسف أحد الذين يستعملون لمواصلة هذه الحرب منذ الاغتيال ولا يزال.

تحدث حمادة عن تعاظم الموقف ضدّ الوجود السوري، بعد الانسحاب «الإسرائيلي» عام 2000، متجاهلاً أنّ قمة نيسان عام 2000 التي جمعت الرئيس الراحل حافظ الأسد بالرئيس الأميركي بيل كلينتون في جنيف كانت محاولة مشتركة بين إيهود باراك رئيس الوزراء «الإسرائيلي» والرئيس الأميركي بيل كلينتون للحصول على تغطية الرئيس الأسد لانسحاب منسّق مقابل ضمان بقاء وجود القوات السورية في لبنان، وأنّ رفض الأسد هو الذي منح، وكانت خلفيته، أن يمنح، انتصاراً لبنانياً نظيفاً لأول مقاومة عربية ضدّ الاحتلال، وفي البال ما يتحدث عنه حمادة، من تحريك لمجموعات لبنانية ضدّ سورية، كما نشر منذ عام 1998 من قبل المحافظين الجدد، ويعلم حمادة أنني عقدت عام 2000 مؤتمراً صحافياً عرضت فيه هذه الوثيقة التي تسمّى «كلين بريك» وتمهّد لحرب العراق وأفغانستان تحت شعار إسقاط القلعة التي تمثلها سورية لخطرها على أمن «إسرائيل»، وكنا يومها أنا وحمادة نتحدث اللغة نفسها، التي يقول اليوم لنا إنه من يومها كان ينكرها.

لإنعاش ذاكرة حمادة فقط انه في عام 2004، بعد التمديد وقبيل محاولة اغتياله، زارني في مكتبي طالباً مني أن نتعاون كصديقين سبق أن تعاونا مراراً في التقريب بين الرئيس نبيه بري والنائب جنبلاط أثناء خلافاتهما في الثمانينات، لنفعل الشيء نفسه بين جنبلاط وصديقي الذي ربط به حمادة كلّ كوارث لبنان العميد رستم غزالة، فقلت لحمادة إذا كنت أستطيع المساعدة فلن أتأخر، وأنا جاهز، فقال وليد منزعج كثيراً من قضية توقيف مسؤول الحزب الاشتراكي أبو الشهيد، وحلحلة الأمر ستساعد كثيراً، والعميد رستم يستطيع المساعدة رغم عناد فريق الرئيس لحود، فقمت بالاتصال بالعميد غزالة وتركته يتحدث مع حمادة بعد شرح الأمر له، وكان تفاهم على التعاون، وقال لي حمادة موقف وليد كموقفه يوم انتخاب الرئيس لحود تسجيل موقف وينتهي، وفي اليوم التالي كتبت الإعلامية روزانا بومنصف في مقالها بصحيفة «النهار»، عن لسان جنبلاط كلاماً يتهمني بالسعي لاختراقه عبر مروان حمادة، واتصل بي حمادة متمنياً عدم الردّ لأنّ وليد يريد النيل منه هو ولست أنا المقصود، مضيفاً لما نلتقي أشرح لك أكثر، وبعد أيام قليلة تعرّض حمادة لمحاولة الاغتيال، وزرته برفقة العميد رستم غزالة والمدعي العام عدنان عضوم والنائب الراحل عدنان عرقجي، وبعدما هنأناه بالسلامة توجه حمادة إلى العميد غزالة وقال له، سيحاولون يا أبو عبدو الوقيعة بيننا بعمليات مشابهة، «لكن فشروا» هذه يد تعمل لحساب «إسرائيل».

كلامي موثق لدى لجنة التحقيق الدولية يوم 30-8-2005 والشهود أحياء يا أستاذ مروان.

غداً ماذا جرى يوم موقف جنبلاط في العام 2000 من منبر البرلمان؟

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى