بقلم ناصر قنديل

ماذا قال أوباما للخامنئي ولماذا؟

 nasser

 

بات ثابتاً أن الرئيس الأميركي باراك أوباما بادر أربع مرات لمراسلة مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي، والثابت أن السيد الخامنئي لم يوجه أي رسالة للرئيس أوباما بل اكتفى بالرد إما مع الموفدين الذين حملوا الرسالة أو عبر الإعلام.

ليس بين إيران وأميركا علاقات ديبلوماسية، لكن بينهما إطاراً تفاوضياً حول الملف النووي الإيراني يضم واشنطن وسائر الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، وقد تم من خلال هذا التفاوض وتحت غطائه أكثر من لقاء ضم وزيري خارجية البلدين، وآخرها كان عشية توجيه أوباما للرسالة الأخيرة في نهاية السابع والعشرين من الشهر الماضي.

معلوم أن الرسالة الأولى جاءت في فترة مناورات عسكرية أميركية في الخليج، حشدت قبالتها إيران سلاحها الصاروخي، وأجرت مناورة شاملة مقابلة، وجاءت الرسالة تأكيداً من أوباما أن المناورات والتواجد العسكري الأميركيين ليسا لاستفزاز إيران التي لا تريد واشنطن تصادماً معها بل حلولاً تفاوضية لكل المشكلات.

معلوم أيضاً أن الرسالة ما قبل الأخيرة لاقت رداً عنيفاً وساخراً من السيد خامنئي تعبيراً عن رفض العرض بالمشاركة في حلف الحرب على «داعش» قبيل تشكيله، انطلاقاً مما وصفه الرد بعدم الجدية الأميركية في هذه الحرب واتخاذها مجرد غطاء لنشر قواتها في المنطقة وليس لإنهاء «داعش».

معلوم أيضاً وأيضاً أن الدول خصوصاً التي تملك ديبلوماسية وأجهزة استخبارات عملاقة ومكانة كمكانة أميركا لا تلجأ للرسائل الرئاسية، بينما كل قنوات الاتصال متاحة بما فيها على مستوى وزراء الخارجية، إلا لتقديم رؤى وعروض شاملة تتخطى ما يمكن بحثه على مستوى الوزراء لترسم إطاراً لعلاقات على درجة من الجدية، في زمن مفصلي وقضايا مفصلية يترتب عليها ذهاب المعنيين بالرسالة إلى التفاهم أو المواجهة.

هذه المرة حدث شيء مختلف عن المرات السابقة، لم يرد السيد الخامنئي علناً، وتكتمت إيران على الرسالة، واشنطن تجاهلت. ولما انكشف أمر الرسالة تفادى الناطق بلسان البيت الأبيض التعليق باعتباره غير مخول التحدث عن مراسلات الرئيس مع قادة العالم.

هذه المرة جاءت الرسالة في ساعات ما بعد لقاء وزيري الخارجية محمد جواد ظريف وجون كيري، كأن ما سمعه كيري من ظريف أوحى بالرسالة، وهذه المرة جاءت الرسالة في توقيت تأزم العلاقات الأميركية مع الحلفاء التقليديين لواشنطن في السعودية وتركيا و»إسرائيل» وثبوت استنفاد قدرتهم على تقديم ما هو ذي قيمة للإستراتيجيات الأميركية في زمن الحرب على الإرهاب، التي يضطلع بها حلفاء طهران وحدهم من اليمن إلى العراق وسورية ولبنان.

لماذا يؤكد الرئيس أوباما في الرسالة على أن سياسات واشنطن الخارجية وفي الشرق الأوسط بصورة خاصة لا ترسمها إلا المصالح الأميركية، وكذلك التحالفات لا تنبع إلا من التلاقي على الأهداف المشتركة والقدرة على تحقيقها، وكأنها رد على اتهام إيراني حمله ظريف لكيري بالقول: «إننا لا نثق بجدوى التفاوض معكم حول الشؤون الإقليمية لأنكم لا تفعلون شيئاً إلا بعدما تتركون لمن لا يريدون الخير لإيران في السعودية و»إسرائيل» فرصة استخدام الفيتو، فلماذا تريدون منا الثقة، وتعرضون علينا التشاور بهدف التعاون في سياسات المنطقة»، فتأتي الرسالة بالجواب الضمني أن زمن شراكة الحلفاء في رسم السياسة وتحديد التحالفات قد انتهى.

لماذا يورد الرئيس أوباما في رسالته تأكيداً على أنه وإدارته لم يكلفا أحداً بالتفاوض نيابة عنهم مع إيران، وهو يتفهم أن يوحي البعض من الأصدقاء المشتركين بقدرتهم على المساهمة في تذليل العقبات بين البلدين، من دون أن يعني عرض هذه الخدمات إلى حصول هؤلاء على تفويض من أحد، وأن واشنطن ترغب بأن يكون التفاوض مباشراً والتعاون مباشراً، وهي تقدر مكانة إيران ودورها في المنطقة وحجم قدرتها على الإسهام في الحرب على «داعش»، وموقعها القيادي في هذه الحرب، وكأن الرد ضمناً على سؤال حمله كيري لرئيسه من كلام ظريف عن إدعاءات تركية بأن الرئيس أوباما كلف الرئيس التركي رجب أردوغان بإدارة علاقته مع إيران، ليأتي الجواب أنها تمنيات أردوغان بانتزاع دور الوسيط عبر هذه الإدعاءات.

المعلومات تقول إن طهران أرادت من واشنطن إثبات صدقية الرسالة بالتجرؤ على الموافقة على عقد اللقاء الثلاثي الأميركي الأوروبي الإيراني في مسقط، الصديق المشترك الوحيد وفقاً للتوصيف الإيراني، الذي يستحق أن ينال هذه الصفة عبر رمزية استضافة اللقاء وما سيخرج منه من اتفاقات تؤسس للتفاهم على الملف النووي واستطراداً على البحث عن المشتركات في الملفات الإقليمية التي يتقدمها ملف الحرب على الإرهاب، وفيها ملف اليمن وملفا العراق وسورية.

المعلومات المتوافرة تقول إن تسريب خبر الرسالة عشية اللقاء المزمع في مسقط للثلاثي كيري ظريف آشتون في التاسع من الجاري يهدف للتشويش على اللقاء ومحاولة لنسفه، لكن الاتصالات الأميركية الإيرانية تؤكد الإصرار على عقده في موعده وعناوينه، على رغم الحنق السعودي التركي «الإسرائيلي» القطري.

اللقاء سبقته عملية مكوكية لتبادل الأوراق نسقتها الديبلوماسية العمانية برئاسة وزير الخارجية سعيد بن علوي، وفي الحصيلة تم تذليل أغلب العقبات من طريق التفاهم على الملف النووي، وصولاً للإنجاز في موعد الرابع والعشرين من الشهر الجاري، والتسليم باعتماد الحل السياسي في سورية واليمن عبر حكومة انتقالية ائتلافية تنطلق من الدستور والرئاسة الحاليين من دون شروط مسبقة وتنتهي بصناديق الاقتراع، والعنوان المشترك هو جمع القوى المستعدة للمشاركة في الحرب على الإرهاب.

للمرحلة المقبلة مفاجآت كثيرة في طليعتها صعود نجم مسقط، وتخلي واشنطن عن شعار السعي لإسقاط الرئيس بشار الأسد، والتسليم بتراجع أدوار السعودية وتركيا و»إسرائيل» لحساب دور إيراني محوري في الحرب على الإرهاب وحفظ الاستقرار.

ربيع عام 2015 حاسم ومليء بالأخبار.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى