بقلم ناصر قنديل

التمديد بصراحة: هناك رابح وخاسر

nasser

 

من الطبيعي أن يكتب أصحاب الرأي، وأن يصرح الدستوريون وأن تصرخ مؤسسات المجتمع المدني بالصوت العالي لا للتمديد، إنه الخطيئة التي تعطل الديمقراطية وتخرج عن الأصول، كما الصراخ احتجاجاً على الفراغ الرئاسي لذات الأسباب والمنطلقات، من وجهة النظر المبدئية لنظام ديمقراطي يقوم على احترام المهل الدستورية، ولا يعبث بها، وإلا صار الدستور كآلهة التمر عند أهل الجاهلية يعبدونه وعندما يجوعون يأكلونه.

أغلب المحتجين يعلمون أنّ الأمور في السياسة لا تجري بهذه الطريقة، فعلى رغم الطريقة الفجة للعب بالدستور والعبث بالنصوص في لبنان، إلا أنّ كلّ البلاد في العالم تحكمها السياسة، وتقنّن لعبتها السياسية الدساتير، وينجح فقهاؤها ومفكروها وصنّاع القواعد الدستورية فيها، باختيار التوقيت والإطار لتغيير قواعد اللعبة الدستورية، لتبقى ناظماً فاعلاً لضوابط التوازنات السياسية عند تغيّرها، فالقيمة المدنية للدساتير تكمن في كونها تنظم وتستوعب تغييرات موازين القوى في المجتمعات، لعهود مديدة نسبياً، لتضمن انتقالاً سلساً وسلمياً للسلطة، وهكذا باتت فرنسا في دستور الجمهورية الخامسة، ليس لاكتشافات دستورية عبقرية، اقتضت مواكبتها بالتعديلات، بل لضمان مواءمة الدستور لمقتضيات التوازنات السياسية ومتغيّراتها وليس العكس.

التشوّه السياسي في لبنان، تشوّه دستوري أيضاً، فهذا هو نظام الطائف المبني على ركيزتين غير قابلتين للحياة، مرجعية خارجية دولية وإقليمية لضبط التوازنات أوكلت المهمة إلى سورية، والتوازنات تغيّرت جذرياً وكلياً في العالم والمنطقة، والوكالة لم تعد موضع إجماع دولي وإقليمي وداخلي، ومن جهة مقابلة سعى الطائف إلى إنشاء توازن جديد بين الطوائف تجاوزته التطورات في المنطقة، وجعله انفجار الحروب المتعددة الألوان والمتاريس، من الماضي، وبات على الراغبين بالحفاظ على روح الطائف، انتظار أن ترسو التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة على نهايات واضحة، وأن ترسو معها التوازنات الطائفية والمذهبية على معادلات جديدة، ليتأسّس عقد جديد من روح الطائف الطائفية والمرتهنة للخارج، يرجح أن يكون مجلس قناصل لحراسة الفيديرالية.

العجز الراهن عن إنتاج رئيس جديد للجمهورية وعن انتخاب مجلس نيابي جديد، هو نتاج طبيعي للطائف، فالفراغ في ولادة المعادلات الجديدة ينتج الفراغ في المؤسسات.

الذين يرفضون السير بنظام علماني، يقوم على المواطنة، والعلاقة المباشرة بين الدولة والمواطن بلا العبور الإلزامي بالطوائف، ويرفضون نظاماً انتخابياً يتلاءم مع مفهوم الدولة المدنية، لا يحق لهم الصراخ ضدّ التمديد ولا ضدّ الفراغ لأنهم يزايدون، أما المتمسكون بالطائف فيفضل أن يحترم المعترضون منهم على التمديد والفراغ عقولنا.

أما في السياسة، فالواضح أنّ الفراغ الرئاسي والتمديد النيابي، علامتان على متغيّرات ما بعد القرار 1559 الذي أسّس لحرب تموز، وجولة المواجهة انتهت أو تكاد بهزيمة القرار وأصحابه، فبديل الدور السوري العسكري والسياسي أنتج في حرب تموز نهوضاً بدور متعاظم لطرفي تفاهم السادس من شباط عام 2006، حزب الله ومقاومته من جهة والتيار الوطني الحر من جهة أخرى، ولم تنجح عملية الاستحضار الوقائية لـ«القوات اللبنانية» عبر العفو عن رئيسها، ولا محاولة ترويض حزب الكتائب، بتغيير المعادلة الجديدة، وجاء الردّ بانخراط تيار المستقبل في الحرب على سورية، وتغطيته لمفردات «القاعدة» كامتداد للسياسة السعودية التي تحدث عنها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، والغريب أنّ أحداً لم يسأل كيف نفذت السعودية استجلاب الإرهابيين وتمويلهم وتسليحهم، وفقاً لكلام بايدن، إنْ لم تكن حفاضات وحرامات عقاب صقر ومعسكرات خالد الضاهر، وخلايا بلال دقماق وشادي المولوي، هي الترجمة؟

هُزم مشروع المستقبل في سورية، كوكيل لسيد القرار في الرياض، وتغيّرت المنطقة مع ظهور «داعش» و«النصرة»، ولم ينفع الاحتواء المزدوج سعودياً، ولا «مستقبلياً»، ومع هزيمة الأصيل والوكيل سقط طائفهما بالضربة القاضية، ومع نهوض مسيحي مشرقي لصحوة على إيقاع التطهير والتهجير الجاريين في المنطقة، تزخم التنافس السياسي والصراع على الأدوار والأحجام في الساحة المسيحية، بين الحليف الأبرز لـ«المستقبل»، «القوات»، والحليف الأبرز لحزب الله، التيار الوطني الحرّ، ولأنّ الرئاسة اللبنانية مسيحية، صار الصراع مصيرياً لخندقين متقابلين لبنانياً وإقليمياً ودولياً.

أثبت «التيار» أنه يقيم علاقة استقلال ضمن التحالف مع شريكه في التفاهم، ومن ورائه دمشق وطهران، وثبت أن «القوات» تقيم علاقة استتباع لـ«المستقبل» والرياض، وبأن الفراغ ترجمة لتمسك حلفاء «التيار» برئيسه مرشحاً، مقابل تخلي «المستقبل» عن الترشيح المناورة لحليفه، وثبت أن «التيار» يقدر على التصويت والتصرّف بصورة معاكسة لحلفائه تجاه جلسة التمديد، ما لا تستطيعه «القوات»، وجاء إصرار الرئيس نبيه بري بإطلاق سنوكر الميثاقية في تبرير تخليه عن إجراء الانتخابات النيابية بمقاطعة «المستقبل»، ليضع الميثاقية المسيحية للتمديد، في حضن «المستقبل»، لتسقط طابة «القوات».

تعلم «القوات» أنّ رفض رئيس «المستقبل» سعد الحريري المشاركة في الانتخابات ليس حرصاً على الانتخابات الرئاسية بل حفاظاً على مقاعدها التي يصعب أن تستعيدها في أي انتخابات مقبلة، ومردود ذلك ضعف في الحجم الإجمالي للرصيد النيابي للحريري، كما تعلم «القوات» أنّ قبولها بالتمديد للمجلس الذي سينتج الرئيس له أيضاً بين الأسباب تلبية مشيئة «المستقبل»، ولكن أيضاً الخشية من الانتخابات ونتائجها، بينما في المقابل لحماسة «التيار» لرفض التمديد تعبير عن إثبات صدقية يحرص عليها مع جمهوره ويقدر على ممارستها، لكن أيضاً ثقة بالفرص التي تتيحها له الانتخابات التي لن يختار المسيحيون فيها من قال لهم يوماً إنّ رواد غزوة الأشرفية هم «حلفاؤنا»، كما قال في «النصرة» و«داعش» إنهم «ثوار» قبل إعلان واشنطن لحلف الحرب عليهما.

الثامن من آذار تعرف لماذا صوّتت للتمديد، بمعزل عن الكلام حول الخشية من الفراغ، فقوى الثامن من آذار تعرف الدور المحوري في ضبط إيقاع الانتخابات الرئاسية الذي تلعبه رئاسة المجلس النيابي، ولذلك فالتمديد الفعلي الذي صوت له نواب الثامن من آذار هو لرئاسة المجلس أكثر مما هو للمجلس، بينما صوت نواب الرابع عشر من آذار لتمديد ولاية زملائهم المهدّدين بفقد مقاعدهم، ومنهم خالد الضاهر ونواب «القوات».

ثمة رابح وخاسر في السياسة، أول الرابحين التيار الوطني الحر وأول الخاسرين «القوات اللبنانية».

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى