بقلم ناصر قنديل

هل رضيَ السعوديون بالحكم وسيعيدون المليارات للجيش؟

ناصر قنديل

– لا أحد يريد مناقشة البعد القانوني في الحكمين المتناقضين الصادرين عن المحكمة العسكرية بحق الوزير السابق ميشال سماحة، وما بين الحكمين كافٍ ليقول الكثير عما يفسّر التفاوت والتناقض الكبيرين في وجهة كلّ منهما قبل أن يتسنّى لأحد إحالة أحد إلى النصوص القانونية، وفي لبنان قلّما يكون ذا قيمة الحديث عن محاسبة ومساءلة على تدخل السياسة في شأن القضاء، عندما يكون الأمر موضع رضا الفريق الحاكم الذي تمثله جماعة الرابع عشر من آذار البارعة في النق الدائم وتحميل حزب الله أوزار اتهامه بالسيطرة على الدولة ومؤسساتها، وهو ربما ما يفرح له بعض قوى الثامن من آذار دون انتباه للكمين الكامن وراءه في كلّ منعطف وقضية كما يبدو عليه الحال اليوم، فيقولون صيت غنى ولا صيت فقر.

– الإفراج عن جمانة حميد المضبوطة بجرم تفجير، والمحالة أمام القضاء تمّ ضمن صفقة تبادل العسكريين المخطوفين، وهو ربما يكون بالشأن الصحيح سياسياً، لكنه من الزاوية القضائية يعني شيئاً واحداً هو إخضاع القضاء للسياسة، ولو في حالات متفق عليها، ليصير النقاش في قضية سماحة بعيداً عن الدائر اليوم حول التوصيف القانوني، بل وبالمقارنة مع قضية جمانة حميد، في أنّ الحكم السابق الذي وصف بالأقرب إلى حكم الإفراج، شبيهٌ بتخلية حميد والفارق في مجال غير القانون، بل في السياسة فيقع تحت بند غير المتفق عليه، فيصير ما يصفه فريق الرابع عشر من آذار بالتساهل في شأن غير متفق عليه غير قانوني، ويصير الحكم الأخير بقسوته ومجيئه في أعقاب حملة تدخل وتهديد للقضاة والقضاء على رؤوس الأشهاد وعلناً عملاً قانونياً.

– لا أحد يحسد القضاة على الوضع الذي وضعوا تحت تأثيره منذ الحكم ما قبل الأخير وعشية صدور الحكم الأخير، لكن كلّ شيء يجري علناً أمام الرأي العام، وتحت نظر الكاميرات وموثّق ومسجّل. ويكفي أنّ القضاة متهمون بالتواطؤ في عمليات قتل واغتيال ما لم يصدروا حكماً يروي عطش وزير العدل ومَن معه من قادة متاريس طرابلس، أفرج عن بعضهم في سياق حملة الحكم الجديد على سماحة بما بدا أنه دفعة على الحساب، ويكفي أنّ القضاة كأفراد وبشر طبيعيين عاشوا أياماً وليالي مع عائلاتهم تحت ضغط أنهم محاصَرون بتظاهرات تحيط ببيوتهم تناديهم بأسمائهم مشهّرة بهم كقتلة ما لم يصدر الحكم الذي يُراد سماعه.

– في السياسة، وبعيداً عن كلّ مهزلة مسرحيات قوى الرابع عشر من آذار مع القانون وتطبيق القانون، وعلى رأسها وزير العدل الذي يكفي سؤاله عن سبب امتناعه عن جلب ميلاد كفوري الشريك أو العقل المدبّر لما يسمّيه بعملية سماحة، والمشمول برعايته وحمايته وتوفير الحصانة الحكومية له، والممنوع على القضاء استجوابه، والسؤال عن سرّ امتناع القضاة عن إلزامه بجلبه لاكتمال عناصر القضية كشرط لإصدار حكم نهائي فيها، والجواب سيبقى ممنوعاً، لأنّ حضور كفوري ربما يغيّر الكثير، ليس بالضرورة في هذه القضية، بل بكشف كيف تشتغل قوى الرابع عشر من آذار وقادتها عندما يمسكون بأجهزة حكومية، وربما ستظهر أدوار ما وراء الحدود في قضية كفوري لأجهزة عربية وغربية وربما «إسرائيلية»، يظهر فيها رجل وزير العدل والقائد السابق لأمننا الداخلي عميلاً للموساد ومخابرات أوروبية وعربية صديقة، وتظهر العملية برمّتها حرباً استخبارية بوجوه لبنانية.

– في السياسة ما هو أهمّ بكثير من تفاصيل الحكم وما سبقه، وما رافقه من حملة تعبوية داخلية ضدّ القضاء العسكري وقضاته، وهو أنّ دولة هي المملكة العربية السعودية بشخص الرجل الأول في تمثيلها الدبلوماسي هو وزير خارجيتها عادل الجبير، تناولت قضية حكم المحكمة العسكرية الأول بحق سماحة كسبب لحجب هبة ثلاثة مليارات دولار عن الجيش اللبناني، معتبرة الحكم دليلاً على ما أسماه الجبير بهيمنة حزب الله على الجيش، الذي لا يمكن تسليمه هذا السلاح وهو تحت الهيمنة، ويصير السؤال مشروعاً مع زيارة مرؤوس لدى الجبير لتمثيله لدى الدولة اللبنانية هو السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري، لوزارة الخارجية، بعد قطيعة تمّ خلالها تحميل وزير الخارجية اللبنانية الجزء الأكبر من أسباب وقف الهبة وتفسير الغضب السعودي، في يوم صدور الحكم الجديد، الذي يمكن للدبلوماسية السعودية اعتباره نصراً لها، في تحرير الجيش ومحكمته من الهيمنة لتليق بها الهبة وتؤتمن على السلاح. هل أدّى الضغط الأميركي لتمويل صفقات المروحيات وسواها لحساب الجيش اللبناني إلى صفقة يتمّ بموجبها استصدار حكم جديد في قضية سماحة، مقابل عودة التمويل السعودي لسلاح الجيش، ولو كان الثمن سيادة لبنان وهيبة القضاء واستقلاله وتظهيره تابعاً لوزارة الخارجية السعودية، وخاضعاً لبارومتر غضب ملوك الحزم؟

– إن تحركت هبة المليارات أو بعضها وبانت الانفراجات أو طلائعها، تصير الإهانة التي قادتها قوى الرابع عشر من آذار بحق السيادة والقضاء مثبتة بالجرم المشهود، لكن مع بعض عزاء هو تسليح الجيش ببعض مما يحتاج ويستحق، وإنْ لم تظهر، فيكون لبنان دفع فواتير الثناء والشكر لمكرمات لم تأت وبقيت حبراً على ورق، كما بقيت المليارات لسنوات.

– ليست قضية سماحة، كما قال وزير العدل أشرف ريفي، بل قضية السيادة والقضاء، وهذا صحيح.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى