بقلم ناصر قنديل

سؤال الجعفري وفضيحة المعارضة

nasser

ناصر قنديل

– لن تنجح المظاهر الاستعراضية التي تحرص جماعة الرياض على إحاطة ورقة العمل التي قدّمتها للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا للحل السياسي، ولا كلام دي ميستورا عن موضوعية وشمولية الورقة، في ستر الفضيحة الدستورية والوطنية والقانونية والأخلاقية التي تقوم عليها الورقة، فالإكثار من الشرح والتفصيل في عناوين الورقة عن هيئة فضائية انتقالية ومجلس عسكري انتقالي ومعالجة شكل العلاقة بينها وبين حكومة انتقالية وهيئة حكم انتقالي، لن يغيب السؤال الجوهري الذي طرحه رئيس الوفد السوري الرسمي المفاوض السفير بشار الجعفري قبل سنتين على رئيس سابق للوفد المفاوض للمعارضة، وهو: مَن سيشكل هذه الهيئة لتقوم هي بتشكيل هذه الهيئات المتفرّعة منها، ووضع لوائح العمل الناظمة لها؟

– يومها كان رجل الأعمال هادي البحرة الذي تلقى دورات عن أصول التفاوض في الأمم المتحدة ومثلها في باريس ولدى خبراء بريطانيين وأميركيين، ومعه زميله أنس العبدة، وبعدما صالا وجالا في شرح استناد المفاوضات إلى بيان جنيف وأولويتهما في تطبيق بند هيئة الحكم الانتقالي التي نص عليها، بحضور المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي النادم على فشله اليوم، والذي يقول لو استمع العرب للمفهوم الروسي للحل، لانتهت الأزمة والحرب في سورية قبل أربع سنوات، سأل رئيس الوفد السوري المفاوض يومها واليوم السفير بشار الجعفري، ووجّه سؤاله للجميع، مَن سيشكل هذه الهيئة، فساد صمت ونظرات بين الثلاثة، وتقاسموا الجواب: نتفق هنا ويذهب الإبراهيمي إلى مجلس الأمن، وينقل حصيلة التفاهم، ويصدر بقرار وفقاً للفصل السابع بتعليق العمل بالدستور السوري، ووضع سورية تحت الانتداب الأممي، لأن هذا هو الطريق الوحيد لتعيين هيئة حاكمة من خارج نصوص الدستور الوطني في أي بلد، ومن خارج السياق المؤسسي الذي ينص عليه الدستور، وعندها يصير ممكناً لمجلس الأمن تعيين هيئة حكم بالأسماء التي يتم الاتفاق عليها وتحظى برضى الدول المشاركة، وتعطى صلاحية إدارة شؤون سورية وفق الفصل السابع لمدة سنتين أو ثلاث لتعيد هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية، وإجراء التمهيد اللازم لوضع دستور جديد وإجراء انتخابات على أساسه، والتوجه عندها لمجلس الأمن لرفع الوصاية عن سورية وإعادة سيادتها المسلوبة إلي مؤسساتها الجديدة.

– اليوم جهدت جماعة الرياض في ورقتها بعرض مملّ لما كان في جنيف قبل عامين يُسمّى بتشكيل المؤسسات المتفرعة عن الهيئة. وهي تهدف لتغييب الجواب عن السؤال الجوهري بمن سيشكل هيئة الحكم الانتقالي وكيف وما هو ثمنها السيادي، الذي يبدأ بالطلب من مجلس الأمن تعليق العمل بالدستور ووضع اليد على سورية، وينتهي دور السوريين هنا، ليبدأ دور الدول التي ستضيف الأسماء التي تمثلها وتدور بينها مفاوضات على كيفية تقاسم سورية الجديدة بوكلائها، وتربط كل قرار ذي قيمة من الأمن والسلاح والجيش والسياسة الخارجية وامتيازات النفط وخطط إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين وسواها، بتفاهمات يجب أن تجري بين أصحاب القرار الأصليين في مجلس الأمن، ويبصم عليها ممثلوهم السوريون في ما يُسمّى بهيئة الحكم، وممثلوهم من ورائهم في الهيئات والمجالس الفرعية القضائية والعسكرية والأمنية، والنفطية والمالية والاقتصادية وسواها. ويمضي الوقت طويلاً ويتساءل الوكلاء المعيّنون في الهيئة عن سبب عدم رفع سيف الفصل السابع عن سورية، ومثله حظر بيع السلاح لجيشها الذي يكون قد بناه أصحاب القرار الدولي على هواهم، ولا يخشون منه على أمن إسرائيل، فيتذكّرون أن هذا جرى مع العراق وليبيا، والخروج من الفصل السابع ليس كدخوله.

– يعرف جماعة الرياض ويعرف دي ميستورا «الموضوعي» أن الحديث عن طرق التفافية غير الفصل السابع والانتداب وتعليق الدستور وإلغاء السيادة، لاستيلاد هيئة الحكم الانتقالي، لن يوصل إلى مكان، فلا رئيس الجمهورية في الدستور السوري يملك حق التنازل عن الصلاحيات أو السلطة جزئياً أو كلياً، ولا إمكانية لتعديل الدستور لجعل هذا ممكناً دون استفتاء شعبي، وفقاً للدستور نفسه، وعندما يتم التوافق أن الاحتكام للشعب السوري ممكن ومتفق عليه، فليكن عندها لاختيار من يحكم السوريين بالأصالة عبر تنظيم الانتخابات العامة. وهذا وارد في القرار الأممي 2254، لكن السؤال عن كيفية إدارة الدولة حتى يتحقق ذلك والتهيئة لتلك اللحظة بدستور جديد وآليات انتخابية، ولذلك فإن الطريق الوحيد للسير وفقاً للدستور السوري والانتقال عبره ومن خلال ما يتيحه من أطر مؤسسية وصولاً لدستور جديد وانتخابات على أساس هذا الدستور هو تشكيل حكومة موحّدة تتولى إدارة البلاد في ظل الرئاسة الحالية وتشكيل لجنة خبراء لوضع دستور جديد واستفتاء السوريين عليه والاحتكام إليهم في صناديق الاقتراع لاختيار مَن يملأ المؤسسات والمناصب الدستورية على أساسه، أي الحفاظ على السيادة السورية أولاً، والقرار السوري ثانياً، في كفة والتنازل عنها في كفة، وهي المعادلة التفاوضية في جنيف، بين التمسك لحين بلوغ دستور جديد وانتخابات جديدة بإدارة وطنية سورية للبلاد، وبين وضع البلاد تحت الانتداب والسير على خطى بريمر ودي ميستورا في العراق، وقد ترافقا معاً على كل حال.

– طبعاً، الفارق اليوم هو أن بيان جنيف قد صار من الماضي والذكريات، رغم ذكره في القرار الأممي من باب التذكير بمقدمات الوصول لنص القرار. وهو نص يقوم على حسم أن شأن سورية هو ملك للسوريين، وأن الاحتكام للانتخابات هو طريق حسم مصير المناصب الدستورية والمؤسسات الدستورية، وانطلاقاً من القرار الأممي، ومن موازين القوى الراهنة التي أنتجته، ومما بعد ولادة القرار وربط الهدنة بقطع الطريق على الاختباء وراء جبهة النصرة ومحاولات تبييضها، وما معهما وبعدهما من إغلاق للحدود التركية السورية، والتغيير الذي أحدثه القرار الروسي بإعلان الانسحاب وفتح الباب لخطر انفجار المواجهة، إذا فشلت المفاوضات، وفي الميدان جيش سوري مستعدّ وجاهزٌ ويحظى بكل ما يحتاج من وسائل تحقيق النصر من كل الحلفاء، فلا مجلس الأمن هو الذي كان ولا سورية هي التي كانت ولا الميدان هو الذي كان ولا السقف السياسي والقانوني للتفاوض هو الذي كان.

– يحلم جماعة الرياض بتكرار نموذج بريمر، لأنه طريقهم الوحيد للحكم وهم يعلمون حجمهم بين شعبهم، بينما دولة بريمر توفد وزير خارجيتها جون كيري إلى موسكو لاستكشاف ما يجب فعله، كي لا تنفجر المواجهة بفشل المفاوضات، بعدما فهمت معنى قرار الانسحاب الروسي، الذي يحلم جماعة الرياض أنه ضغط على الرئيس السوري لقبول هيئتهم الانتقالية.

– الحرب كما المفاوضات بين مشروع سيادي وطني ومشروع يبيع السيادة والوطن بحثاً عن كرسي حكم.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى