بقلم ناصر قنديل

لبنان من دون «المنار»؟

nasser

ناصر قنديل

– مع قرار شركة «عربسات» وقف بث قناة «المنار» الفضائية على أقمارها الصناعية أول ما يمكن تخيّله، هو أن تكون قناة المقاومة تواجه حرباً عالمية يقف وراءها الصهاينة، فينجحون بمنع نقل أثير صوت المقاومة إلى العالم، وأن تكون الأقمار العربية التي تمثلها «عربسات» هي الناقل الوحيد لهذا الصوت، ويصير قرار عربسات بمثابة قرار وقف كامل لـ»المنار»، فنتخيّل المشهد الإعلامي العربي من دون «المنار»، لنستعيد شريط الذكريات والوقفات، منذ الولادة، حتى الترخيص، ومعارك عناقيد الغضب وصولاً إلى التحرير وانتهاء بعدوان تموز 2006، وفي الخاطر لا يوجد إلا متضرّر واحد وعدو واحد لا يريد أن يرى أو يسمع اسم «المنار»، سبق أن سلّط قاذفاته تقتلع استديواتها وتطارد مراسليها وتدمّر هوائياتها، وسلّط لوبياته لمنع إعادة بثها عبر العالم، فكيف يستقيم أن يصير الملاذ المفترض، سكين غدر وأداة انتقام لحساب العدو؟

– لا نريد أن نناقش مَن يقف وراء القرار، ولا حساباته ومآخذه وحجم خلافه مع سياسة قناة «المنار»، في شؤون اليمن والخليج والمنطقة وسورية، وربما لبنان، فكله معلوم، السعودية مغتاظة من «المنار»، واضح هذا منذ سنوات، وهي بالأمس مغتاظة من «الميادين»، والسبب واحد فلسطين، لكن كيف يمكن لليد التي وقّعت قرار وقف البث بحق «المنار» ألا ترتجف، وترتدع وهي تتخيّل الابتسامة على وجه بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال وأركان حربه، وكيف لا يشعر بالخزي والذلّ والمهانة مَن أصدر القرار، وكيف لا ترتعد فرائص اللبنانيين الذين يباهون به صديقاً وحليفاً، ويريدون منا الاقتناع بأنه حريص على لبنان واللبنانيين؟

– في فترة الترخيص للقنوات التلفزيونية والإذاعية دار نقاش بيني وبين الرئيس رفيق الحريري، وكان هناك من يقول إنّ «المنار» قناة حزبية ولها لون ديني عقائدي وصبغة هوية لمذهب بعينه لا تستقيم مع شروط الترخيص. وكان ما بعد النقاش، أنّ التشبيك الوطني المحيط بالمقاومة قادر على منح «المنار» ما يكفي لتوفير شروط الترخيص، بمجرد طرح السؤال، هل نتخيّل لبنان بدون «المنار»، وهل نتخيّل الابتسامة على وجه شيمون بيريز وآرييل شارون، إذا لم ترخّص الدولة اللبنانية لقناة «المنار» وكان القرار بأن نقول لـ«المنار»، ما هي الترتيبات الواجب اتباعها لنيل الترخيص وعدم البقاء كقناة مقاومة مؤقتة تعمل بموجب استثناء قانوني، بل لتصير قناة كاملة التوصيف القانوني.

– لو كان رفيق الحريري حياً، ويدور في البلاد ما يدور من نقاش حول حلول وتسويات، لاعتبر أنّ الذي وقف وراء القرار خصماً شخصياً له يريد نسف التسوية التي يشتغل عليها ويريد لها أن تنجح، وأنّ الرسالة التي يريد إيصالها صاحب قرار وقف بث «المنار» عن أقمار «عربسات»، هي أنّ السعودية تضع أولويتها على قاعدة العداء للمقاومة، وأنّ الفرح «الإسرائيلي» لم يعد يبعد مسافة عن القرار السعودي، وأنّ هذه الأولوية اللبنانية للسعودية، تتقدّم على كلّ ما يُقال عن التسويات، بل ربما يجب أن ينظر إلى مشاريع التسويات بريبة يصنعها هذا القرار، وعندها كان الرئيس رفيق الحريري سيسافر فوراً إلى الرياض ليلتقي أصحاب القرار ولا يعود، إلا وقد عادت «المنار»، أو عاد أصحاب الأحقاد عن كيدهم ضدّ «المنار».

– قرار وقف «المنار» على أقمار «عربسات» ليس تعاقدياً، ولا قانونياً، ولا هو حساب تجاري بين شركتي قطاع خاص، إنه رسالة سعودية للمقاومة، على الرئيس سعد الحريري تجاه ذلك، أن يستحضر وقفات والده في مثل هذه الحالات ويتصرّف وفقها، إنْ كان يريد أن يصدّقه الناس بأنّ لبنان على أبواب مرحلة جديدة.

– «المنار» ستبقى تصل لناسها مع «عربسات» وأقمارها أو بدونهما، لكن السعودية تقنع أو لا تقنع أحداً بجدية وصدقية موقفها من الوفاق بين اللبنانيين، بمعيار راهن هو موقفها وموقف حلفائها اللبنانيين من «المنار».

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى