ألف باء بقلم فاطمة طفيلي

دموع الملائكة في زمن الشياطين

happy-mother-day-images-b

فاطمة طفيلي

رغم كل المغالطات التي يجري تسويقها حول الاهتمام بالأم والسهر على قضاياها كإنسانة، هي الرقم الصعب في البناء العائلي وفي بناء الأوطان، ولولاها لما كانت عائلات ولا أوطان، يكاد ما يجري من احتفالات في مناسبة عيد الام، تحت عناوين التكريم، يتحول إلى كرنفالات استعراضية بطقوس باهتة بعيدة عن واقع الأم ومعاناتها، على الأقل لجهة اختيار المكرمات وتوزيع الألقاب والعناوين الرنانة، التي يتم طرحها ممن يُتوجن سفيرات في ممالك وهمية، يحملن راية متابعة مسيرة موغلة في البعد عمن تستحق التكريم والمساندة، يتوسلن المناسبة رصيدا مضافا على طريق شهرة يطمس بريقها الحقائق والأهداف، ولا يبقى للمرأة الأم منها أكثر من صورة تذكارية مع من شاركتها المناسبة، فعن أي تكريم نتحدث، وأي الأمهات نكرّم، وأي فائدة ترجى من التكريم؟!.

ملاك الرحمة، التي كرمتها الأديان وحفظت لها المكانة الأرقى مع الأنبياء والمرسلين، وجهد الشعراء في توصيف خصالها لتبقى صورهم الشعرية عاجزة عن إيفائها حق قدرها، تعيش اليوم أقسى الظروف وأصعبها، ولا تجد سوى المرارة والدموع سبيلا يعينها على ما هي فيه، في زمن أصبح فيه العيد كما غيره من الأعياد مناسبة تجارية وفرصة يجري استثمارها لزيادة الاستهلاك وتكديس الأموال، فيما تُذبح الأمهات ويُقتلن بدم بارد ألف مرة في اليوم وبألف شكل ولون.

اليد الحانية، التي تأخذ بيد وليدها ولا تتركه إلا بعد أن تتأكد من أنه أصبح قويا قادرا على الإمساك بزمام أموره، تكاد تخونها قواها، وهي القابضة على جمر الأخطار المحدقة به من كل حدب وصوب.

ذاك الصوت الشجي العابق بالحب، والذي لا يبارح ذاكرة كل منا كأول صلة له بالحياة، رافقت ترانيمه مراحل طفولتنا، أخرسته المصاعب والأهوال فتحوّل أنينا موجعا تخنقه صرخات الألم على خسارة الأبناء والأحبة في زمن الوحوش البشرية الكاسرة.

حضن الأمن، الذي كان وما يزال الملجأ الآمن والملاذ الدافئ، لفحه صقيع الهجرة القسرية من الوطن وداخله، وأضناه التشرد والعوز في زمن برابرة العصر العائثين تخريبا وتدميرا أينما حلوا.

لمن العيد إذن؟.

للطفولة المعذبة والمستباحة حقوقها في المأوى والمأكل والمشرب والعيش بكرامة؟

للأمهات الأرامل والثكالى، وما أكثرهن على امتداد وطننا العربي الغارق في بحر الدم والدموع؟.

وبعد…

رغم الألم والمرارة، ورغم حسرة الأمهات المتروكات لمصائرهن على هامش العيد، سواء بسبب الظروف الصعبة أو جحود الأبناء وعقوقهم، سيبقى للعيد مكان…

العيد الحقيقي تصنعه أمهات الشهداء وهن يَجُدْنَ بفلذات الأكباد دفاعا عن الوطن وأبنائه، فالأم هي الأمة ونداؤها مقاومة…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى