ألف باء بقلم فاطمة طفيلي

بلاغة الصمت…

7izb

 

فاطمة طفيلي

حفلت الأيام الماضية وما تزال، على أثر اغتيال العدو الإسرائيلي ستة من مجاهدي المقاومة الاسلامية وعميدا في الحرس الثوري الايراني في مزرعة الامل في منطقة القنيطرة السورية، بسيل من التعليقات والتحليلات الاقرب إلى الاستعراضات الفولكلورية الجاهزة في كل زمان ومكان، والتي لا ينقصها إلا تغيير الاسماء والعناوين لتفي بأغراض أصحابها، ولا سيما أنها لم تأت بجديد إلا المزيد من الاثارة والضجيج. وأصحابها أبعد ما يكونون عن مواقع الفعل والقرار، وهم لا يملكون من أمرهم إلا التنظير وإبداء الرأي، الذي تحوّل مع الكثيرين منهم إلى نوع من الإملاء الفج وغير المقبول، إن لم نقل البعيد عن آداب السلوك وأخلاقه.

نظريات الرد الفوري الغاضبة وبيانات الاستنكار، التي لم تخل من التهديد والوعيد تصح فيها مقولة القرعاء المتباهية بشعر ابنة خالتها، إذ لم يكن ينقص جحافل المنظّرين الأبطال إلا إطلاق نفير الحرب وبدء الزحف، باتجاه العدو، والعنوان الوحيد هو إزالته من الوجود، كيف لا وهو تخطى بجريمته ما رسموا من خطوط حمر تتيح لهم التروي والتفكير لاتخاذ القرار الصائب؟…

ناهيك عن الفئة الشامتة والمتشفية، التي رأت في الجريمة ما يرضي أحقادها الدفينة وانحيازها الأعمى لما يسمونه النأي عن المشاكل وعن أحداث المحيط، وحتى عن مواجهة المعتدي، وقد نسوا أو تناسوا الاستهداف المستمر للعدو وليس آخره قنابل الغاز التي اطلقت على موقع الجيش اللبناني في عيتا الشعب وأدت إلى إصابة ثلاثة من عناصره بالاختناق. ولم يُثر فضولهم تزامن استهداف الجيش على الحدود اللبنانية مع جريمة اغتيال المجاهدين في الجولان نصرةَ لمن يسمونهم معارضة سورية، تثبت يوما بعد يوم أنها وجه من وجوه العدوان الصهيوني والارهاب المتربص بالمنطقة وأهلها.

المؤسف في غمرة الأحداث أن ينساق إعلامنا بفعل الاستلاب المستمر للفرادة والتميز بالخبطة الصحافية والخبر العاجل، وبمعزل عن أخلاقيات المهنة ليعلن أسماء المجاهدين الشهداء، مزايدا على أهل القرار، الذين استمهلوا لإبلاغ عائلاتهم بخبر استشهادهم، فكانت صورة بعض الوسائل مقيتة خالية من الانسانية ومن أدنى معايير المراعاة لحرمة الموت ومهابة الحدث.    

ربما أمكن مناقشة نظريات الحرب واحتمالات الرد، أماكنه وأهدافه لو تواضع المنظرون قليلا وغادروا، ولو لبرهة من الزمن أبراجهم الافتراضية، وعوالمهم الالكترونية المتعددة الاشكال والالوان، ليتوقف سيل التعليقات الحانقة والواعظة، التي يختفي أثرها بمجرد انقطاع التيار الكهربائي وتوقف الانترنت، صلتهم الاساسية بعالم الواقع وأحداثه.

قليلا من التواضع يا سادة، ولتحفظوا لنا بقية من الاحترام لعقولنا البسيطة، وقد خبرنا النهج والاسلوب، اللذين يحكمان عمل المقاومة وقادتها، ولنا في أحوال أعدائنا في الجهة المقابلة للحدود الإجابة الشافية والدليل القاطع على فعل الصمت الذهبي وأثره المرعب، بانتظار الرد المناسب زمانا ومكانا، وغير بعيد عن حكمة الهدوء المعهودة والمختبرة، فأبلغ الخطاب إنجازات تحكي بذاتها، وليكن الضجيج صدى للفعل في الطرف الآخر.

حكمة الصمت طبعت أهل المقاومة وعوائل الشهداء، الذين أذهلوا العالم بردود أفعالهم وثبات إيمانهم وصلابة عزائمهم، وخير الكلام لخصته أم الشهداء القادة الحاجة أم عماد مغنية من طيردبا الجنوبية أرض المقاومة ومقلع الأبطال، وهي تتقبل العزاء والتبريك بشهادة حفيدها: “عزائي الوحيد أن يحمي المواسون ظهر المقاومة”. ببساطة شديدة وبثقة مطلقة بأهداف القول وأبعاده نطقت الحاجة ام عماد فكانت لسان حال عائلات المقاومين بحق.

    

  

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى