بقلم غالب قنديل

الاستثمار الأميركي في الأزمة الأوكرانية

 

غالب قنديل

على حافة الاشتباك النووي يترنّح الوضع العالمي بعد الاختراق الأميركي للفناء الروسي ومنظومة المجموعة المستقلة من أوكرانيا. ويبدو من التفاصيل أن الاندفاع في أتون اشتباك واحتراب تصاعدي ليس أمرا مرغوبا في موسكو لعدم دفع العالم الى متاهة حرجة، يغامر الأميركيون بتحفيزها والنفخ في نارها بدافع استنزاف القوة الروسية وتقزيمها واستثمار النتائج عبر توسعة نطاقات ومديات الهيمنة الأميركية.

يتّضح من الوقائع أن القوات الروسية أنجزت تحصين سيطرتها في الأقاليم ذات الغالبية السكانية الروسية، التي أظهرت رغبة في الانضمام الى روسيا الاتحادية في حصيلة استفتاءات حركت جدالا وكانت موضع تشكيك غربي. وقد برهنت بالمقابل تغطيات إعلامية روسية على مصداقيتها في التعبير عن إرادة السكان، الذين قالت وسائل إعلام غربية إنهم من أصول روسية. وأيا كانت الملابسات العرقية والقومية، تبقى واقعة الانضمام الى الاتحاد الروسي هي الثابتة، وما كتب قد كتب، مهما كان حجم الشغب الغربي ومعه مساعي التحريض والتخريب والتشويش.

 

رغم هذه النتيجة الصارخة تشير الوقائع الى أن التحريض الأميركي الغربي لن يتوقف، وسوف يتواصل معه، بكل الأشكال والمستويات المتاحة، السعي لاستنزاف روسيا سياسيا ومعنويا، بعدما شرعت تكسر نمطية القطبية الأحادية الأميركية في العالم، وهي تتحرك بالشراكة مع الصين وغيرها من القوى العالمية الصاعدة كإيران لتغيير الواقع الدولي والإقليمي، الذي رانت عليه الهيمنة الأميركية الغربية منذ الحرب الكونية الثانية.

 

روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي، وبقاعها الأوروبية والشرقية المترامية وثرواتها الهائلة تؤهلها لتكون قوة عالمية كبرى، والأمر يتخطّى القدرات العسكرية التقليدية والنووية الهائلة الى اقتصاد ضخم متنوّع الموارد الزراعية والصناعية، والقدرات العظمى الاستثنائية في تقدمها وتطورها التقني، ناهيك عن التكنولوجيا النووية وجيش جرار من المهندسين والخبراء والعلماء الروس المشهود لكفاءاتهم وقدراتهم خلال عقود وتجارب ممتدة. ونهضة روسيا المتجددة مع الرئيس فلاديمير بوتين تثبت جدارتها مع جيل قيادي طموح وقادر على تحقيق الإنجازات النوعية في مسارات البناء والتقدم.

 

آجلا سوف ينجلي الغبار والدخان، وستكون الحصيلة لصالح روسيا، وستتوسل أوكرانيا طرقا لإعادة الوصل معها بعد الورطة الحربية، التي قد ترتدّ بتداعيات داخلية على زعيم الحرب ورمزها، ربما بتواطؤ أميركي، بعد فوات صلاحية الاستثمار والاستعمال السياسي، كما جرت العادة في العديد من تجارب التوريط الأميركية، التي عاشتها أكثر من دولة في العالم وانتهت، بعد استنفاذ الغاية المباشرة، الى التخلص من رموزها باغتيالات وانقلابات قلبت الصفحة السياسية على توقيت المصالح الأميركية المتحوّلة.

 

الراهن هو استثمار أميركي، تغلّفه حملات دعاية وعربدة، تظهر كيفية استعمال الأدوات وترك العملاء لمصيرهم، ومحاذرة التورّط المباشر. بينما يظهر تصميم روسي على إدارة ذكية للصراع، وتحرّك ميداني مدروس وبمراس حربي طويل النفس وقدرات هائلة في محالفة الزمن لفرض الخاتمة المناسبة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى