بقلم غالب قنديل

لا مبرّر لاستمرار تعليق إصلاحات الطائف الجدية

 

غالب قنديل

مع سير قطار الانتخاب النيابي على قاعدة النظام النسبي، يستعد لبنان للمزاوجة الهجينة بين النسبية والطائفية في التمثيل النيابي، بصورة تناقض منطق الطموح التغييري إلى إضعاف تأثير العصبيات الطائفية في الانتظام السياسي العام.

الأصل والمبتغى حسب اتفاق الطائف، هو الإتيان بمجلس نيابي يُنتخب خارج القيد الطائفي وبالنظام النسبي، بينما يكون القيد الطائفي ملزما في توزيع مقاعد مجلس الشيوخ، لتتم إعادة تكوين الحياة الوطنية وقواعد العلاقات الدستورية والمؤسسية على أساس نظام المجلسين، اللذين ينعقدان في مؤتمر وطني للنظر بالشؤون والقضايا المصيرية.

إنّ ما تفتّقت عنه عبقريات أهل النظام من الذرائع والتلفيقات لتأخير هذا الاستحقاق، خلال العقود المنصرمة، منذ تاريخ إقرار الدستور الجديد وتطبيقه، يُسقط واقعيا كلّ ذرائع تأجيل السير الى تنفيذ هذا الإصلاح الدستوري.

إن الظرف الراهن يدعو إلى النظر بسرعة في كيفية بلورة وإقرار التعديلات الدستورية المؤجلة، وإنشاء مؤسستي مجلس الشيوخ والمحكمة الدستورية قبل موعد الانتخابات النيابية القادمة، أي قبل انقضاء ولاية المجلس النيابي المقبل. وهذا حقّ مستحقّ لأجيال الشباب الطالع، لا يمكن تعليقه أو حجبه ولا تأجيله لفترات ودورات انتخابية قادمة بأي ذريعة كانت.

التمرين النسبي رغم التشوّه الطائفي يمثّل خطوة كبرى إلى الأمام، لا نبخسها حقّها، ولتكن عتبة للنقلة التالية التي تُتِمّ وصايا الطائف بانبثاق مجلس الشيوخ عبر الانتخابات القادمة، ولننتظر قليلا لتحرير الانتخاب النيابي من القيد الطائفي ريثما ينكسر هيجان العصبيات واستنفارها المرضي.

يمكن الانتظار ريثما يصبح ناضجا تحرير التمثيل النيابي نهائيا من القيد الطائفي مع تبلور معالم نظام المجلسين، وتعوّد الشعب والنخب السياسية على الحياة العامة عبر نظام المجلسين، وانطلاق دورة جديدة من الحياة الحزبية والسياسية والبرلمانية.

إن فكرة بناء الدولة الحديثة تفترض السير بقوة في هذا الاتجاه، وعدم الاستغراق في المجادلة الفاقدة لحجة منطقية، أيا كانت الاعتبارات. ولا يجوز الحجر على البلد في علب ماضوية متخلفة ومرضية لحساب أيّ فريق كان ونزواته ومصالحه.

إذا لم يؤخذ بهذا الاقتراح، نقولها جهارا، سيكون الأَولى والأجدى الغاء النص الدستوري، الذي يتنصل منه المسؤولون ويتهربون من إنفاذه الموجب بذرائع لا يمكن اعفاؤهم من مسؤولية توليد مبرراتها، وإعادة توظيفها لحجز البلد والنظام السياسي في علب المعوقات المغلقة.

كنا نتمنى لو توافرت إرادة سياسية وعملية بمستوى تحقيق هذه النقلة، التي صارت مثل وحمة كذابة في سيرة نظامنا العاقر. وبكلّ أسف اختار زعماؤنا اعتماد النسبية مع الطائفية، وحيّدوا بند مجلس الشيوخ فجاءت نسبيتنا شوهاء مثل ديمقراطيتنا الممسوخة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى