بقلم غالب قنديل

الشراكة الروسية الصينية ودينامية التحولات

غالب قنديل
تفيدنا الوقائع والمعلومات المتداولة عن توسّع الشراكة الروسية – الصينية في السنوات الأخيرة وتشعّبها في مجالات اقتصادية متنوعة. ولا شكّ أن هذا البعد الحيوي في الشراكات العابرة للحدود له تأثيره وانعكاساته المباشرة على المستوى السياسي في زمن التكتلات القارية الكبرى.
آفاق التكامل والتشابك العضوي بين الاقتصادين الروسي والصيني مفتوحة ومتعدّدة، وهي تبدأ بالطاقة التي تضخّ مواردها في تغذية آلة الاقتصاد الصيني المتعطّشة، بنهم وشراهة، للطاقة الواردة من روسيا في تلبية خطط التوسّع الإنتاجي الطموحة، والنمو الأفقي والعامودي لاقتصاد صناعي متقدّم.
مزايا عديدة يمكن للصين أن تقدمها لروسيا من موقع الشراكة الحيّة والتحالف السياسي المتقدّم بعدما طوى البلدان صفحات التنافر والتنافس الى غير رجعة، واستوت القيادات الروسية والصينية في بلورة فهم مشترك للتحدّيات والمخاطر الناشئة عن تغوّل وتفرّد الهيمنة الأميركية على العالم، وهو أمر يستحقّ أن يُعامل كتهديد مشترك، يفرض توحيد الجهود والقدرات لبناء بيئة دولية منفتحة أكثر توازنا.
منذ حقبة ما عرف بالنزاع السوفيتي الصيني، أسهم الاختلاف العقائدي والسياسي في تباعد البلدين الشرقيين العظيمين على مستوى التطوّر الحضاري والقدرات الاقتصادية والعسكرية. وما يجري عالميا في هذه الحقبة، يحتّم التلاقي بين موسكو وبكين، والبحث في مجالات التكتّل والتكامل دون قيود أو تحفظات ومن غير موانع ايديولوجية.
قاد التطوّر التاريخي البلدين في طريق تطوّر اقتصادي مجتمعي متماثل بالتوازي، وهذا ما يسند ويعزّز مسار التكتّل الروسي الصيني القادر على إحداث تغييرات كبرى في العلاقات الدولية، وفي التوازنات الاقتصادية والمالية بصورة تحفّز ديناميات التطور والتبلور، وتراكم التحوّلات التي تلبي التطلّع الشرقي إلى خارطة جديدة اقتصاديا واستراتيجيا.
نشهد في هذه الحقبة العالمية الحافلة تحولات تدفعنا الى تأكيد حتمية توسّع وتنوع الشراكات العميقة بين الصين وروسيا، وهي مؤهّلة لبلوغ درجات متقدّمة من التكامل والتطوّر في جميع المجالات. وتناغم المزايا وتكاملها يتكفل بنضج تكتّل اقتصادي عملاق، تندمج في تكوينه إمكانات وقدرات انتاجية هائلة وطاقة تسويقية واستثمارية بلا حدود ولا سقوف.
العربدة الاستعلائية ستقود إلى توسيع الشراكات وتنميتها وتطويرها وشمولها لمجالات جديدة في مسار حتميّة الاستجابة للتحدي، الذي فرضته الخطوات والتدابير العدائية الأميركية الغربية، التي تفوح منها روائح الغطرسة الكريهة والتشوّف، الذي يستنهض نخوة شرقية متأصّلة على ردّ الصاع صاعين وأكثر.
سيشهد العالم مع التكامل الروسي الصيني تحوّلا جاذبا للشراكات والصداقات لأنه منزّه عن الأطماع الاستعمارية وتطلعات الهيمنة والإلحاق السياسي، التي يضجّ بها ماضي الإمبراطوريات الغربية الاستعماري وواقعها الراهن في العالم.
بعد قرون من الهيمنة والاستتباع الغربي في العالم الثالث، كانت قرينة الحروب والكوارث والمآسي، سيكون تبلور ونضج القدرات الشرقية فرصة للتنمية والتقدّم التكنولوجي والصناعي والتطور الحضاري، وهي بشارة تاريخية لحركات التحرّر وللشعوب في جميع الدول النامية.
إنها ثورة تاريخية في البيئة الدولية، تحمل بصمات شرقية، وتعلن انتهاء عهود الاستعلاء الغربي باحتكار التكنولوجيا، وتوافر فرص سخية لتنمية الدول النامية، التي تختار طريق التحرّر والاستقلال والبناء الجديد لشراكات منسوجة بالندية والتكامل والتكافؤ واحترام الخصوصيات الوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى