بقلم غالب قنديل

تداعيات العملية الروسية وأصداؤها السياسية والإعلامية

 

غالب قنديل

لن ينتهي بسرعة مسار التداعيات السياسية والإعلامية للعملية الروسية في أوكرانيا فالوقائع المتوافرة تشير إلى التصميم الأميركي الغربي على استثمار سياسي طويل ما أمكن ومحاولة إطالة أمد الحرب لاستنزاف القوة الروسية المنافسة وتعطيلها بكل الوسائل المتاحة واعتراض المسار الذي يواكب صعود التكتل الشرقي الواعد، الذي يضمّ روسيا والصين وإيران، وهو يجسّد قدرة هائلة تقوّض السيطرة الغربية وتهز مرتكزاتها ودعمائها في شتى المجالات.

مثلّث القدرة الشرقية بأقطابه الصين وإيران وروسيا يمكن أن يغير التوازنات والمعادلات، ويفرض وقائع جديدة وقاهرة لا يمكن الارتداد عليها وهو لن يتماهل أو يبطئ الخطى نتيجة مناورات أو غوايات وألاعيب أميركية أو أوروبية.

التدابير العدائية الغربية حملت رغبة طاغية في استنزاف القوة الروسية وتكبيلها وتطويقها وخنقها بتشويه السّمعة عبر سيل اتهامات وافتراءات هستيرية، تظهر الحنق الغربي، كما تعكس خشية متأصّلة من مارد الشرق الصاعد وقدرته وديناميته المتوثّبة.

وقد حرّكت الولايات المتحدة خيوطها وخطوطها لتنظيم وتفعيل حملات التشهير والتحريض ضد روسيا، ولا سيما في المنطقة العربية والبلدان الإسلامية، حيث انحازت في التخندق ضد روسيا بعض الحكومات التي كانت لاعتبارات مصلحية، وبفضل التوازنات القاهرة، تمارس النّفاق اتجاه روسيا.

تركيا التي أرغمتها المعادلات القاهرة على عدم التمادي باعتراف رئيسها المنافق أردوغان. وكان ذا مغزى في منطقتنا موقف الكيان الصهيوني العدائي الظاهر والبعيد عن أي التباس.

أما خارطة المواقف العربية، فقد جسّدت التخندق على ضفتي الصراع بين محور المقاومة والتحرّر ومحور الهيمنة والتبعية للاستعمار الغربي، وهكذا كان الموقف السوري الواضح بمساندة الشريك الاستراتيجي الروسي. وتميّزت حرارة الموقف السوري بإعلان الاستعداد لإقامة علاقات تعاون وصداقة مع جمهوريتي لوغانسك ودونتيسك. وقد اتصل الرئيس الأسد بنظيره فلاديمير بوتين، وأشاد بخطوات روسيا، ووصفها بأنها “تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم. وفي ذات الاتجاه جاءت مواقف حركة أنصار الله في اليمن في تصريح أصدره السيد محمد علي الحوثي القيادي في الحركة.

تريّثت دول عديدة في المنطقة، ولم تتعجّل إصدار البيانات. وقد انفرد لبنان ببيان مشين أصدره وزير الخارجية، ولم يلق أيّ محاسبة مستحقة أو مساءلة على خرق انضباط لبنان التقليدي بالامتناع عن التّخندق السياسي في ظروف الاصطفاف الحرج.

ما يثير العجب، هو التخلّي عن النزعة التوفيقية والتلفيقية، التي تحصّنت بها الحكومات اللبنانية في التعامل مع الأحداث العاصفة دوليا وإقليميا. وما زال لبنان الرسمي مقصّرا في اتخاذ مواقف واضحة بتبرير الابتعاد عن التّخندق، حتى عندما يكون الخطر من حوله ويمكن أن يمسّه بتداعياته المباشرة، كما في الحرب على سورية.

ما تقدّم يوضح وقوع السلطات اللبنانية في براثن الهيمنة وتحت تأثيرها. ويقينا إن موقف حزب الله المقاوم من الأحداث كان التعبير الراقي عن الموقف الوطني، وهو يَرتق الفجوة الخطيرة، معنويا وسياسيا، التي أحدثها وزير الخارجية ومعه مجموعة من المواقف والتصريحات اللبنانية، التي تساوت في الانحياز والانحراف عن جادة التوازن والرصانة في النأي عن شبهة الانحياز والخنادق.

تفاعلات المشهد العالميّ الجديد تشير الى نتائج التحول التاريخي، الذي أحدثته ديناميات شرقية جبارة، فرضها نهوض القوة الروسية، والاندفاع الصيني النوعي، وتصاعد القوة الإيرانية، وتفتّح قدراتها الاستراتيجية بسرعة قياسية، وهي تعدُ بآفاق وتحولات وإنجازات اقتصادية ومالية وتكنولوجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى