بقلم غالب قنديل

روسيا والصين الحلف الشرقيّ الصاعد

 

غالب قنديل

تستند القوة الروسية في ديناميتها الهجومية الى شراكة راسخة ومتعاظمة مع الصين، وهي شراكة استراتيجية واقتصادية متعددة المستويات، شهدت نموّا هائلا في السنوات الأخيرة، يعزّزها عمق المصالح المشتركة في الحدّ من الهيمنة الأحادية الأميركية على العالم، ودينامية الشريكين الشرقيين المندفعة هجوميا لإعادة تشكيل الواقع الاستراتيجيّ الدولي بعد تصدّع القطبية الأحادية، وهيمنتها على العالم.

يعزو بعض المحللين الغربيين التطورات الجارية مؤخرا الى تكامل وتزاوج القوة الاقتصادية الصينية الهائلة مع القوة العسكرية الروسية الهجومية. وهذا أحد مستويات التفاهم الروسي الصيني على العمل لفرض وضع عالمي جديد بتوازناته ومعادلاته، والانطلاق لفرض بيئة عالمية جديدة بعد ترتيب الفناء الاستراتيجي الروسي وتطهيره من أدران الاختراق الغربي، الذي أعقب انهيار الاتحاد السوفيتي.

الجوهريّ والأهم، هو إدراك الصين وروسيا لمصالحهما الحيوية في قيادة التحوّل العالمي الجديد، وتفكيك الهيمنة الأميركية على العالم لصالح ترتيب جديد للعلاقات والتوازنات العالمية. ومن هنا تمثّل علاقات التكتّل والتكامل بينهما قابلة الوضع العالمي الجديد.

يتجنّب الأميركيون والأوروبيون إلى الآن توجيه انتقادات حادّة أو مباشرة للصين بشأن تفهّمها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ تدرك جميع الرؤوس الحامية، من بروكسل إلى واشنطن، أن إغضاب بكين في هذه المرحلة الحرجة من الصراع الغربي المفتوح مع موسكو، سيعني زلّة حمقاء بكلّ المقاييس، وهي ستعجّل في دفع المارد الصيني نحو التخلّي عن تحفظاته وحذره السياسي والعسكري في مقاربة العديد من الملفات والقضايا الحساسة.

يخشى زعماء الغرب المسّ بالعديد من مواضع الحساسية، حيث يمكن للصين إلحاق الأذى بالغرب في مجالات عديدة، اذا اضطرّت للردّ الرادع، وحيث الكلفة الاقتصادية والمالية للاستفزاز والسلبية ستكون باهظة وهائلة.

تداعت وتهتّكت هيمنة الغرب المتفرّدة على العالم في وقت قياسي، والصين معنية، بجميع المعايير، بقيادة تحول عالمي تصبو اليه مع روسيا لبناء معادلات جديدة وشراكات اقتصادية وسياسية، تواكب هذا الانقلاب الاستراتيجيّ في الوضع العالمي.

القدرات العسكرية الروسية النوعية المتفوّقة عالميا تتكامل في فعلها وتأثيرها مع القوة الصينية الاقتصادية والمالية الصاعدة. وسيكون المجال فسيحا لتعاظم الشراكة بين الجبارين، ولتوسّعها وتشعبها في إطار تكتّل شرقي سريع التقدّم والنمو.

إن الهستيريا الغربية الشاملة ضد روسيا ووسائلها الإعلامية العالمية تجسّد غطرسة الهيمنة والتنمّر، وشملت تعقيم الفضاء الإعلاميّ الدولي من القنوات والمنابر الروسية، التي تبثّ من دول وعواصم تنصاع ذليلة للأوامر الأميركية الشرسة، التي تحكم قبضتها على المنافذ والمنصّات العالمية لمنع حضور الإعلام الروسي والموقف السياسي الروسي.

الخوف من الرسالة الإعلامية والسياسية الروسية ومن انتشارها ناتج عن هزال الموقف الأميركي الغربي البائس والعدواني، وافتضاح عجزه عن اقناع أيٍّ كان في العالم، فقاعدته الافتراء، ومضمونه التدخّل في الشؤون السيادية والتطاول على الخصوم والمنافسين، بكيل الاتهامات وبلغة التشهير والشتيمة، التي تصاحب العقوبات الأميركية اللصيقة بهذه الحقبة الشاحبة والمضطربة من تاريخ العلاقات والصراعات الدولية.

السعي الى تعقيم الفضاء من المنابر الحرّة لن يرجّح الكفّة الأميركية، لأن انتشار التقنيات الحديثة عالميا، وامتلاك روسيا والصين لسلسة من المنصّات والباقات والأقمار والشبكات الإلكترونية زلزل الاحتكار الأميركي، وأسقطه الى غير رجعة. وهذا ما يوسّع مساحة المنافذ المتاحة لرسالة التحرّر والاستقلال، ومناهضة الهيمنة الأميركية في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى