بقلم غالب قنديل

حسابات ورؤية انتخابية في زمن الانهيار الاقتصادي

غالب قنديل

تظهر تحركات سائر الأطراف السياسية اللبنانية بدء التحضير والاعداد للانتخابات النيابية المقبلة وتنشط التوقعات الانتخابية من زاوية انعكاس الانهيار المالي والاقتصادي على شروط المنافسة وادواتها وتشغل التوقعات والاحتمالات حيزا مهما من ملامح رصد المسرح الانتخابي وحركة الكتل الكبرى قبل أشهر قليلة من انطلاق صافرة السباق في حين تعد في الكواليس الاستخبارية والقنصلية الغربية والخليجية عناصر عديدة للاستثمار والتجيير وتنشيط عدة الشغل المالية والإعلامية من الآن.

اولا يبدو من المؤشرات التي تحملها الوقائع الجارية أن الدوائر الغربية والرجعية تلتمس صعوبات تقارب الاستحالة في المس بحجم ومتانة تحالف حزب الله وحركة أمل ووزنه المرتقب في المجلس النيابي المنتخب وثمة معطيات عديدة تشير إلى امكانية توسيع دائرة الحضور النيابي الوطني المقاوم العابر للطوائف اذا اديرت التحالفات والمعارك بمرونة وذكاء على صعيد الحلف الوطني خصوصا اذا تحرر منطق الحركة والحزب معا من قالب الثنائي الشيعي واقترب من مفهوم الحلف الوطني العابر للطوائف والمناطق حيث يحظى حلفاء عديدون بأوزان واحجام لا يستهان بتأثيرها في الصناديق وبالتحديد ينبغي الالتفات إلى جمهور وناخبي التيار الوطني الحر وتيار المردة والحزبين القومي والشيوعي والحزب الديمقراطي وشخصيات وتنظيمات ناصرية وتجمعات أخرى من الخط الوطني التحرري وتحالفاته والحصيلة التي يقود إليها الحساب السياسي والانتخابي الديناميكي هي إمكانية خوض الانتخابات بكتلة وطنية عابرة للطوائف والمناطق اذا توافرت المرونة الكافية ورفعت قيود الحصريات الطائفية والسياسية داخل الطيف الوطني الواسع ونستطيع ضرب امثلة كثيرة عن جهات ومجموعات وشخصيات فاعلة يمكن أن تحظى برصيد شعبي وانتخابي لا يستهان به بينما يستدعي التعاون معها اسقاط الحصرية التي يطالب بها بعض الحلفاء بدافع الاستئثار المسبق بحق الترشيح والتسمية في بعض الطوائف والمناطق خصوصا إذا نجح الفريق الوطني قبل الانتخابات في فرض الانتقال الى نظام المجلسين واسقاط محاولات التأجيل وهي المعركة الراهنة المستحقة التي يجب عدم التساهل في خوضها بحزم.

 

ثانيا يتركز الاهتمام الأميركي الغربي والخليجي بعد حزب القوات اللبنانية على ما يمكن تحقيقه من حجم مضاف عبر مجموعات الإنجوز وتفرعاتها الشبكية في مختلف المناطق اللبنانية وللغرض انفقت عليها موازنات ضخمة ونظمت لقادتها وأركانها دورات اعداد وتأهيل في اطار ارتقاب انتخابي واسع في مختلف الدوائر الانتخابية وان كانت الهوامش متفاوتة فعليا على الصعيد الواقعي كما يتبين للدارس والمراقب الحصيف لكن هذه الحالة ستدخل السباق الانتخابي بقوة احتضان اعلامي ومالي اميركي خليجي متعدد المنصات والجنسيات والخيوط ولابد من وضعها في الحساب والمتابعة بلا مبالغة او تضخيم يرجح ان يلجأ إليهما الحاضن الأميركي الخليجي للتأثير على مناخ المنافسة وحصيلتها الفعلية وهنا نقترح اعداد خطة وطنية شاملة لإدارة المعركة في سائر الدوائر الانتخابية ويفضل ان يبلور الحلف الوطني مشروعا سياسيا برنامجينا لخوض الانتخابات على الصعيد الوطني مع تدقيق الخيارات الإسمية لصالح تحسين نوعيتها ومراعاة المصداقية والرصيد الشعبي في تسمية المرشحين قبل أي حساب آخر واخراج المعركة الانتخابية من القوالب الطائفية لتتخذ طابعا وطنيا جامعا وهو ما يفرض ارتقاء الخطاب بدلا من الاحتكام إلى اللغة الجهوية والعصبيات الطائفية والمذهبية وهذا مدخل ارتقاء بالخطاب السياسي العام لصالح الهوية الوطنية الجامعة وليكن التركيز في الخطاب الانتخابي على المشتركات وعناوين الجمع العابرة للطوائف انطلاقا من طبيعة الدوائر وتكوين الكتل الناخبة بحيث يفرض على الواقع السياسي وخطابه الانتخابي نسق وطني عابر للطوائف ويتصدره الهم الشعبي العام .

 

ثالثا انها فرصة تاريخية لتطوير النظام السياسي اللبناني لا يجب تفويتها او هدرها وندعو إلى مشورة وطنية واسعة مبكرة ومعمقة حول الانتخابات من الآن ولنفكر في كيفية تحويلها إلى محطة نوعية في مسار تطوير الحياة العامة وترسيخ التقاليد والقيم الوطنية في مقاربة مستقبل المؤسسات والنظام السياسي الذي يفترض فتح سقفه الدستوري لتجاوز الصيغة الطائفية المقيتة وتعميق هويته الوطنية الحاضنة للمقاومة والشراكة مع محورها الإقليمي في بناء تكتل للتعاون والتنمية والتحرر عابر للحدود يوفر مزيدا من فرص النمو ويعزز الترابط والتعاون في الدفاع عن الاستقلال والوجود والكرامة.

 

إن الانتخابات المقبلة هي محطة نوعية في تطور الحياة الوطنية والتقدم نحو تجديد البنيان الوطني للدولة ويفترض الاعداد لخوضها وطنيا من الآن بخطة موحدة تغطي جميع الدوائر الانتخابية وتشكيل غرف العمليات المشتركة التي يجب ان تباشر دراسة لوائح الشطب وتخطيط الحملات وجوجلة الأفضليات في الترشيح في النظاق الوطني واعتماد استبيان الرأي الشعبي عند اللزوم للترجيح فهذه المعركة مهمة ومفصلية لا تحتمل التراخي والتماهل أو تغليب الحسابات الذاتية الفئوية او الفردية وستكون ادارتها الناجحة ملحمة يمكن ان تحقق نتائج مبهرة لا تقل اهمية عن نصر تموز فالغالبية النيابية المرجوة سوف تتيح تحديث البنية العامة لمؤسسات الدولة وتضع النظام السياسي في قلب فرص التطور والتقدم الدستوري والمؤسساتي كما أنها تعمق الوحدة الوطنية وتزيدها متانة ورسوخا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى