بقلم غالب قنديل

قضايا لا يطمسها صخب اليوميات  

 

غالب قنديل

في نظر اللبناني العادي، وكذلك في اعتبار وسائل الإعلام، يبدو الكلام عن حلول جذرية شاملة للمشاكل المتفجرة نوعا من الترف الفكري، وشطحات التأمّل والخيال الحالم بالمستقبل. بينما تجتاح البلد مصائب وكوارث، تطال البديهيات في مخاض الوجود والكرامة. ومن شواهد عبقرية وابتكار قائد المقاومة الربط النوعي بين الراهن والمستقبلي الواعد، وهو ما ألقى بذرته المتفتّحة في التعامل مع أزمة المحروقات الخانقة.

أولا: برهن السيد الرشيد بالتجربة العملية على أن تحدّي الضغوط والتهديدات ممكن ومتاح ضمن حساب دقيق للإمكانات والقدرات، وهو استطاع بذكائه الاستراتيجي فرض ردع حاسم على البارد دون الحاجة إلى إطلاق النار، ولو في حدود التذكير بالتوازن القاهر والمستعصي.

فرض على الغرب والكيان الصهيوني الرضوخ، وبات خطّ الإمداد البحري مفتوحا تحت حراسة إصبع السيد ونبرته الصارمة، التي هي حرز حماية استراتيجي لوطن الشهداء والمقاومين، والعِبرة أن حصن المقاومة الحصين يملك جميع الخيارات والهوامش المتاحة والمناسبة لتحقيق المصالح اللبنانية في جميع المجالات، وبجميع الشراكات المتاحة شرقا وغربا، بالشروط السيادية المناسبة، دون أيّ تنازلات أو مساومات على الكرامة والحقوق. وهذا فضل العيون الساهرة، والعقول الحرّة المبدعة لمهندسين وخبراء ومقاتلين أشداء، يتواضعون، وينبذون الاستعراض والتظاهر، ويصلون الليل بالنهار في مراكمة الخبرة والقدرة.

ثانيا: مصداقية المقاومة واقتدارها يفرضان هيبة، ويراكمان مصداقية واحتراما في ميزان المواقف الصديقة والحليفة الراغبة في ملاقاة فضل حزب الله على التوازنات، بما تستطيع من مساهمات مفيدة في احتواء الكارثة، واطلاق مسار التعافي، بل عبر التطلّع المستقبلي إلى الشراكات الممكنة مع بلد المقاومة العزيز. وقد أظهرت هذه الأزمة لمن يريد أن يفهم ويستوعب، ولمن يتحلّى بالقليل من المنطق حقائق سعى خصوم المقاومة لطمسها بالأحقاد والتحريض الأعمى. واليوم تسترجع صورة حزب الله والسيد نصرالله ألقها في عيون لبنانيين كثر، سبق أن خنقتها وأطبقت عليها أفعال تحريض وتضليل منظّمة، عبر جيوش إعلامية الكترونية وتقليدية ومنصات تضليل متعدّدة الوسائط.

إن هذه التجربة بقدر ما هي حافز لمواصلة العمل والمراكمة في مسار الإنقاذ واتخاذ مزيد من المبادرات، التي ترفد مسار الإنقاذ الفعلي، وتبني على ما يتحقّق بمزيد من الخطوات الشجاعة، وتوسّع من مساحة الإنعاش وفرص النهوض وتخطّي الانهيار، فهي تؤسس لتحوّل نوعي مشرق يمكن البناء عليه.

ثالثا: لا بدّ من مباشرة وضع الخطط والبرامج التنفيذية العاجلة لإعادة بناء جذرية، تنهض باقتصادنا، وتحقّق وثبات حضارية تليق بلبنان وتطلعات شعبه. والورشة التاريخية متكاملة لا تقبل تجزئة أو استكانة، خصوصا وأن طلائع المبادرات بدأت تفرض تفكيك القيود والضغوط. وينبغي أن نظهر لشعبنا، مع كل تراجع استعماري، أنه حقق انتصارا بصموده وبمقاومته، وهذا هو الجوهري. فثبات المعادلة وجدية المبادرات، تملي على قوى الحصار والخنق الغاشم تفكيك أطواقها الخانقة، وتفرض علينا الشروع بتصميم في عقد وتنفيذ اتفاقات الشراكة الحرّة والمستقبلية مع إيران وروسيا وسورية والعراق والصين، وهو القوة القاهرة التي ستضع دول الغرب في حلقة انكسار العنجهية  والاضطرار لسحب الشروط، إذا رغبت بدخول المباراة مع العروض الشرقية الواعدة. وهذا ما يجب أن نحرص عليه بقوة وبكل حزم.

عندما صاغ السيد نصرالله نظريته عن تحويل التهديد إلى فرصة، سخر بعض المنخلعين والبلهاء وشكّكوا. واليوم يقدّم البرهان، وبالتجربة، كيف يُكسر الحصار، وتُفتح بوابات المستقبل في وجه الجبروت الاستعماري بإشارة إصبع شريف.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى