بقلم ناصر قنديل

نهاية زمن استقلال الكيان وبدء عهد الانتداب الأميركي

 

ناصر قنديل

أول الخاسرين برحيل بنيامين نتنياهو وطي صفحته السياسية رغم وعوده العنترية، هم عرب التطبيع، فقد انتهى زمن ملوك «بني إسرائيل» مع نتنياهو، وبدأ زمن حكومات تهتم بالشؤون الاقتصادية، وبتخفيض نسب التوتر الداخلي بين مكوّنات الكيان لاستبعاد شبح الحرب الأهلية، وشيئاً فشيئاً سيّصاب عصب الأجهزة التي تتولى أمور المطبّعين بالوهن، وينتقل للوصاية الأميركيّة، التي شكلت شبكة الأمان الوحيدة لحماية الكيان وتمويله وتسليحه، بعدما ظهر هزيلاً وعاجزاً في معركة سيف القدس، وانفضح حال الجيش والمخابرات خلال عشرة أيام، حيث لا حول ولا قوة لهجوم بري، ولا قبة حديديّة يركن إليها، ولا قدرة حكماً على تحمل حرب إقليميّة، ولا صدقيّة للتهديدات بشن حرب منفردة على إيران، وقد تكفلت غزة وحدها بالبيان، ووضعت على المحك أمن الكيان، وفتحت النقاش المؤجل حول قدرته على البقاء، لينقسم الكيان بين تيارين، تيار يقوده نتنياهو ويدعو للإسراع بحرب التطهير العرقي في القدس والأراضي المحتلة عام 48، أملاً بدولة عرقية نقية، تحتمي وراء الجدار، وتيار يقوده ثنائي نفتالي بينيت ويائير ليبيد، ويضمّ مستوطني الضفة الغربية وسكان المدن الكبرى في الكيان وشعاره «بدنا نعيش»، ولم يعد من مجال للبقاء إلا بالالتحاق بلا شروط بالمظلة الأميركية، ولا مانع من شراء الوقت، وأن يبيع كل زعيم لجماعته خطاباً يناسبهم، يميناً ويساراً، المهم أن الجميع يدرك ان حكومة الكيان لم تعُد تصنع السياسات، بل تصرّف الأعمال.

الذين اجتمعوا تحت راية الحكومة الجديدة، يصح فيهم وصف نتنياهو بأنهم خليط غريب عجيب، لكنه الخليط الذي صنعه نتنياهو بنفسه بعدما ملأ السياسة بالأكاذيب، فهو يحدّثهم عن إنجازات في مجال قوة الكيان، وهم لم ينسوا بعد طعم الصواريخ التي هبطت فوق رؤوسهم، ويتحدّث عن نية التصعيد بوجه إيران، وقد رأوه بأم العين يطلب وقف النار مع غزة، وهو يتحدث عن قدرته على خوض المواجهة، وقبل يومين قام بتأجيل مسيرة الأعلام الى الثلاثاء لأنه يخشاها، لكن نتنياهو قال الحقيقة عندما قال إن الحكومة الجديدة لا تستطيع مقاومة الضغوط الأميركية، لكنه لم يقل السبب، وهو أن الكيان بعد معركة سيف القدس والفشل الكامل لنتنياهو انتقل الى طلب الحماية الأميركية، وارتضى الخضوع للانتداب، لأن البديل الذي يعرضه نتنياهو هو الانتحار.

لن يبدل بينيت سياساته العنصرية، ولن يذهب الى تسوية وفقاً لحل الدولتين، ولن يفكك المستوطنات، ولن تطلب واشنطن ذلك، رغم كل الأكاذيب التي ستسعى واشنطن لإطلاقها حول صدق نياتها لقيام دولة فلسطينية، فالإدارة الأميركية، وكل إدارة أميركية لن تضعف الكيان أمام الشعب الفلسطيني ومحور المقاومة، بفرض تنازلات تعرف أنها تقرّب نهاية الكيان، وكل ما ستفعله هو تجميد الحماقات والاستفزازات التي يمكن أن تذهب بالكيان الى مواجهة معروفة النتائج، وشراء الوقت، والتفاوض للتفاوض ستكون عناوين مشتركة بين الإدارة الأميركية وحكومة الكيان الجديدة، وبيع الكلام يميناً ويساراً سيزدهر كثيراً.

أكثر مَن يدرك حقيقة ما يجري في الكيان هي لجنة المتابعة في الأراضي المحتلة عام 48 التي وجهت النداء ليوم غضب شامل في كل الأراضي الفلسطينية يوم غد الثلاثاء لمنع مسيرة الأعلام الصهيونيّة، ودعت قوى المقاومة في غزة ولبنان للاستنفار تحسباً لكل طارئ، فرفع سقف التحدّي بوجه الاستفزاز في اليوم الثاني للحكومة الجديدة، وحدَه سيُحرمها من فرص المناورات، ويفرض عليها قواعد الاشتباك، وتعبئة الشارع الفلسطينيّ في كل أنحاء الوطن المحتل لنصرة القدس، واستنفار قوى المقاومة للمساندة والتحسّب، سيضعان الحكومة الجديدة ومن خلفها الإدارة الأميركيّة أمام الاختيار بين المواجهة الشاملة الآن، أو التراجع وترسيم قواعد اشتباك جديدة تحسم من اليوم الأول، أن القدس خط أحمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى