شؤون دولية

إيكونوميست: سياسة بايدن الخارجية تراوح بين التشدد والاعتدال

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا قيمت فيه أول مئة يوم على رئاسة جوزيف بايدن، وقالت إنه قام بإعادة ضبط السياسة الخارجية الأمريكية.

وبدأت بالإشارة إلى العلاقة الأمريكية-الروسية، ورمزها “الزر الأحمر”، الذي اعتقد الأمريكيون أنهم زينوه بعبارة “إعادة ضبط” بالحروف السيريالية.

وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون: “قمنا بجهد كبير حتى نكتب الكلمة الروسية الصحيحة”، وكانت توجه كلامها لنظيرها الروسي سيرغي لافروف، وسألته: “هل الكلمة صحيحة؟”، ولكنه ابتسم قائلا: “الكلمة خطأ”، وكانت الكلمة في الحقيقة “مشحون“.

وكان هذا عام 2009، عندما كانت إدارة أوباما جديدة، ويواجه لافروف المستمر في عمله منذ عام 2004 إدارة أمريكية جديدة ودبلوماسيين كان لديهم الوقت للتعلم، ومعظمهم قضى 8 أعوام في إدارة أوباما.

وفي الوقت الذي تبنى فيه ترامب سياسة خارجية مختلفة، ومزح مع الرئيس فلاديمير بوتين حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وأشار إلى علاقة صداقة بينهما، فإن الرئيس بايدن وصف بوتين بالقاتل الذي لا روح له، ولكنه عبر في الوقت ذاته عن استعداده للعمل معه.

ومع قرب المئة يوم الأولى على رئاسته، وهي المعيار التي تحكم فيها المؤسسة الأمريكية على قيادة الرئيس الجديد، فإن الأشكال التي ظهرت لسياسته الخارجية لا تميزه فقط عن سلفه المباشر بل وعن أوباما.

وفي الوقت الذي ركز فيه على أهمية العمل مع “الحلفاء والشركاء” في إشارة واضحة إلى تصرفات ترامب، فإنها تحمل في الوقت نفسه رؤية عن “اليقظة” من الأعداء. وهذه خطوة هادئة بعيدة عن أوباما الذي نظر إليه كساذج عندما ضبط العلاقة مع روسيا، وتفاوض مع إيران على اتفاقية نووية لم تكن تامة وتغاضى عن صعود الصين.

وفي كل هذه المجالات بالإضافة إلى قراره سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، حاول حقن مثله ومعتقداته التي حملها معه حول دور أمريكا بحقنة من الواقعية والتعامل مع العالم كما هو.

وأهم واحد من أهدافه كما قال أحد مستشاريه هو “تقوية التعددية والنظام القائم على القواعد والذي تلعب فيه الولايات المتحدة الدور القيادي، والتأكد من عدم تقويض الأنظمة الديكتاتورية هذه القواعد“.

وبحسب المجلة، يحاول بايدن مسارين: الأول هو المقاومة وعدم قطع العلاقات مع الأنظمة هذه على أمل ضبط طموحاتها التوسعية وتخفيف معدلات انتهاكات حقوق الإنسان، ومنعها من التدخل في شؤون الدول الأخرى.

وفي الوقت ذاته، العمل معها عندما تتلاقى مصالح أمريكا معها. ولم يكمل بعد بايدن فريق السياسة الخارجية، بما فيه مسؤول ملف روسيا في مجلس الأمن القومي واختياره للشخصية الثالثة في وزارة الخارجية حيث لم تتم بعد المصادقة على فيكتوريا نولاند والتي يتوقع أن يكون لها دور قوي في تشكيل السياسة مع روسيا.

وفي استمرارية نادرة، فقد حافظ بايدن على السفير الذي عينه ترامب في موسكو، جون سوليفان. والأكثر من هذا فويليام بيرنز مدير “سي آي إيه” الجديد عمل سفيرا في موسكو وعمل وزير الخارجية أنتوني بلينكن نائبا لمستشار الأمن القومي، وبعد ذلك نائبا لوزير الخارجية في إدارة أوباما.

ويحاول بايدن البناء على تجربة أوباما في السياسة الخارجية، وعلى تجربته الطويلة في لجنة الشؤون الخارجية، ولم يحصل أن جاء رئيس إلى البيت الأبيض له خبرة عميقة في السياسة الخارجية منذ 30 عاما.

وبناء على مستشاري بايدن، فإن فشل الأمريكيين لمواجهة بوتين خلال الـ 12 عاما الماضية أو ما أسمته نولاند “التناقض والإهمال” أدى إلى مساعدته في مغامراته الخارجية. ومن هنا فإن تعامل هذه الإدارة مع الصين وروسيا وإيران يقوم على المعيرة القلقة والدبلوماسية المنظمة.

وفرض بايدن الأسبوع الماضي عقوبات على روسيا بسبب تدخلها في انتخابات 2016، والقرصنة الإلكترونية وغير ذلك من الأفعال واتصل مع بوتين وحذره من العقوبات التي ستعلن بعد يومين.

وكان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرها جاهزة ببيانات لدعم قراره. ووصف بايدن العقوبات بالمدروسة والمتناسبة. ولكن الأمريكيين لم يستبعدوا إمكانية تشديدها لو استمر الروس في سلوكهم؛ مثل منع المؤسسات المالية الروسية من شراء الصكوك في الأسواق التي تتعامل بالروبل، ما يمثل تهديدا اقتصاديا على موسكو.

وشملت مكالمته مع بوتين رسائل متنوعة ومقترحا للقاء بينهما في بلد أوروبي هذا الصيف لمناقشة قضية التحكم بالسلاح.

وقال دانيال فرايد، من المجلس الأطلنطي والذي عمل في إدارة جورج دبليو بوش وبداية إدارة أوباما، إن الرسائل متنوعة لكنها غير عادية.

وقال إن “الإدارات الأمريكية عادة ما تقع في مصيدتين عندما تتعامل مع روسيا” إما “إعادة ضبط العلاقة” أو “التشدد“.

وبالمقارنة، فقد سمح فريق بايدن لنفسه بالعمل مع بوتين بدون التلويح بالقوة. وقالت المجلة إن تعامل الإدارة مع روسيا كان عبارة عن تبادل عادي، حيث حث بايدن بوتين على عدم الرد بإفراط بعد فرض العقوبات على المسؤولين الروس. ويبدو أن الرسالة وصلت إلى بوتين، وردت موسكو بطرد مسؤولين في السفارة بموسكو ومنعت مسؤولين حاليين في الإدارة الأمريكية من دخول أراضيها.

وقال لافروف إن بلاده لن تفرض عقوبات مؤلمة على الشركات الأمريكية.

ويناقش الروس والأمريكيون فكرة قمة بايدن. والرسائل المتنوعة ذاتها أرسلها بايدن إلى الصين وإيران. فقد تعهد بالعودة إلى الاتفاقية النووية التي خرج منها ترامب، ولكنه خيب آمال الإيرانيين وبعض الديمقراطيين بعدم رفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب ضمن سياسة “أقصى ضغط“.

وقال مسؤول إن الإيرانيين كانوا يتوقعون أمورا مختلفة من بايدن وأنه سيصل إلى البيت الأبيض “ويقوم باتخاذ قرارات أحادية“.

وفي موضوع الصين، اتهمها بإبادة المسلمين ومحاولة الهيمنة على منطقة آسيا، ولهذا كان أول من استقبل في البيت الأبيض هو رئيس الوزراء الياباني سوغا يوشيدي. واشتمل البيان الختامي على أهمية استقرار وأمن مضيق تايوان، وردت الحكومة الصينية باتهام أمريكا بمحاولة تقسيم المنطقة. وفي الوقت ذاته قام جون كيري بزيارة بكين لبحث التعاون في قضايا المناخ.

ومع اقتراب 100 يوم على رئاسة بايدن، أظهر أنه قادر على اتخاذ القرارات الصعبة كما فعل في أفغانستان وأمامه الكثير من القرارات، وهو يحاول الموازنة النظرية فقط، ولكن مع الموازنة بين المثال والواقع.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى