بقلم غالب قنديل

سورية وشراكة المصير رغم سفاهة البعض

 غالب قنديل

العلاقة اللبنانية السورية بنتيجة التاريخ والحياة، هي شراكة تتخطى حدود السياسة ولغوها، وتسمو على العقد المتأصّلة عند المعتوهين والمنخلعين المرتبطين بالغرب، الذين عادوا سورية واستعدوها. ومناسبة هذا الكلام هي ما أدلى به البعض، تعقيبا على مبادرة أخوية جاءت في توقيت حرج وفي ظروف صعبة على البلدين الشقيقين. فخرج بعض المرضى والتافهين يكرّرون كلامهم السخيف ضد سورية.

 

أولا: إن الشقيقة سورية تعيش زمن ضيق وصعوبات اقتصادية تحت وطأة الحصار وفي ظل الاستنزاف الشامل والمستمر، الذي تفرضه الحرب العدوانية التي تستهدفها، سواء بالاعتداءات الصهيونية التي لا تنقطع أم بالهجمات الإرهابية المستمرة.

إن هذه الظروف تعطي قيمة خاصة للمبادرة السورية، ولبنان في ظروف لا تقلّ صعوبة، فهو أيضا يعاني من شحّ الإمكانات وقلة الموارد. وحين تأتي الشقيقة سورية لتقدّم مبادرة مفيدة ومجدية في زمن حرج وصعب، رغم الضيق والصعوبات، التي تعيشها اقتصاديا بسبب الحصار، فإن لذلك قيمة استثنائية. والعِبرة الأهم في كلّ ما تقدّم هي أن سورية تنتصر لوحدة الحياة وشراكة المصير مع لبنان، وتتصرّف بترفّع مع جحود بعض اللبنانيين وحملات السفهاء التي رافقت وصول النجدة من دمشق.

ثانيا: مجددا نقول إن البناء في مجال الشراكات اللبنانية – السورية الممكنة، هو استثمار في المستقبل، يفترض أن تتجه اليه الجهود والإمكانات. ومن المفيد للبنان في هذه الظروف الكارثية أن يفكر في شراكات الأخوة التي لا تكلّفه سياسيا، وتوفر مصالحه الحيوية. ويتّسم الشركاء من الأخوة في سورية وفي إيران بإيثار كبير، وباستعداد لتوفير كلّ ما يساعد اللبنانيين على مجابهة التحديات.

ليس هدفنا كيل المديح لسورية بهذه المناسبة، ولا المبالغة في تقدير حجم المؤازة السورية في زمن حرج، ولكننا نجدها فرصة للدعوة الى تغليب لغة العقل ومنطق المصالح الواقعية بعيدا عن العقد المزمنة، التي تتحكّم بالبعض، وهي عقد نقص لا تتوخى المصالح الوطنية، بل تمثّل الصدى لارتهان مزمن الى الغرب الاستعماري بعيدا عن مصالح لبنان واللبنانيين. فالمنطق العقلاني في هذه الظروف يقتضي البحث عن الشراكات المجدية وغير المكلفة سياسيا واقتصاديا، والتي تمثّل ضرورة لمجابهة الانهيار الاقتصادي والجائحة الوبائية، وهي من مستلزمات التفكير في أيّ مشروع لمقاومة الخراب الزاحف، ولإعادة بناء الاقتصاد وإنهاضه. فالشراكة مع سورية وسائر دول الشرق هي الخيار الأجدى، الذي يمكن الاعتماد عليه، والبناء الجديد لاقتصاد معافى قادر على التطوّر والاستمرار في وجه الحصار والضغوط والكوارث الزاحفة من كلّ صوب. والتفكير الواقعي يدعو اللبنانيين لتنحية الأحقاد ووضعها جانبا في التعامل مع العلاقة اللبنانية – السورية، التي هي عبر التاريخ ضرورة حياة ووجود. والقيادة السورية تُظهر اليوم حرصا كبيرا واستعدادا للمبادرة، مما يُفترض أن يلاقيه اللبنانيون بمثله. فالأكيد أن مصلحة البلدين تفترض العمل معا والتفكير معا في مواجهة التحديات المشتركة. وسنجد في أيّ مبادرة من هذا القبيل كل الدعم والمؤازرة من الأشقاء والشركاء، ولا سيما في محور المقاومة.

ثالثا: إن اللبنانيين بدون استثناء، وفي هذه الظروف الحرجة، مدعوون الى تفكير جديد في مستقبل العلاقة اللبناية – السورية وطبيعة الشراكة مع محيطهم الطبيعي وإخوانهم وأشقائهم. ويجب أن تُحاصر وتُخنق داخل لبنان جميع الأصوات النشاز، التي تشوّش على مثل هذا التوجّه الى شراكات موثوقة لا غنى عنها بدافع حقد أو عمالة. والتخريب الذي يحدثه هؤلاء يجعل منهم خصوما لكلّ تطور جدي، فكيف الحال وهم يعترضون تلمّس طرق الخروج من كارثة كبيرة حلّت ببلدنا لمجرد أن الشراكة مع سورية أو مع إيران، هي السبيل الى المجابهة. وهم بذلك يخرّبون على بلدهم وعلى شعبهم، ويعترضون مسيرة إنقاذية، تسعى القيادات الناضجة والمسؤولة الى دفعها قدما في وجه تحديات وصعوبات لا ترحم. والمشكلة هي أن هؤلاء هم طابور تشويش وتخريب ونشاز، لا صلة له بأي اقتراح بنّاء أو فكرة إيجابية تخدم محاولات الخروج من كارثة محكمة.

لبنان ليس أبدا في ترف الوقت، ولا في طاقته انتظار المماحكات التافهة والعقد المستفحلة في بعض النفوس المريضة. والأكيد أن الظرف الحرج يستدعي استثمار الوقت لاستخراج الأفكار الخلاقة والمبادرات الإيجابية، ولملاقاة المشاعر الطيبة والخطوات النبيلة، للمساعدة بما هو مستحق في التعامل مع إخوة وأشقاء يستحقون الاحترام والشكر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى