بقلم غالب قنديل

موقع لبنان الطبيعي في التكتّل المشرقي

 

غالب قنديل

الصراع الذي تخوضه الجمهورية العربية السورية في مجابهة الحلف الاستعماري الصهيوني الأميركي الرجعي وخطط التدمير والإخضاع، التي تستهدفها منذ سنوات، هو أهم محاور التطورات الإقليمية، بل يمكن القول إن التناقض بين سورية وحلفائها من جهة والحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي من جهة ثانية، يختصر الصراع على مستقبل المنطقة والعالم.

 

أولا: إن حجم القوى المحتشدة دوليا وإقليميا في هذه المجابهة، والإمكانات التي يختزنها كل من المحورين المتقابلين، يقودنا الى التذكير بأن الصرع، بحكم طبيعته، ليس قصيرا ولا بسيطا. فهو مركّب ومتعدّد الأطراف، وسوف يستغرق وقتا غير قصير، ويستهلك إمكانات هائلة على ضفتيه، أي ضفة سورية وحلفائها في المنطقة وخارجها، وضفة الحلف المعادي، الذي يقود العدوان على هذه الدولة المركزية في المنطقة. ونسارع للقول والتأكيد أن التحولات، التي شهدها الشرق العربي منذ انتصار الثورة الإيرانية، أتاحت لسورية العربية ظهيرا قويا وقادرا، يفرض نفسه على مسرح الأحداث، وهو شريك استراتيجي لسورية، لم يبخل بالغالي والنفيس في جميع المعارك، التي خاضها الحليفان السوري والإيراني الى جانب فصائل المقاومة والتحرّر في المنطقة ضد حلف الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وعملائه.

الشوط الذي قطعه الصمود السوري خلال السنوات الأخيرة يؤسّس لديناميات جديدة، ويرسم ملامح الوضع الذي سيتمخّض عنه هذا الصراع المصيري في المنطقة، التي سيتبدّل وجهها بصورة كليّة وعلى جميع الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية، بنتيجة تبلور مضامين وأشكال التعبير عن الشراكة بين سورية وإيران، والمدى الإقليمي الأوسع لمحور المقاومة، الذي يضمّ لبنان والعراق واليمن والمقاومة الفلسطينية.

ثانيا: المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة، في حصيلة هذا الصراع الدائر. وستكون النتيجة تبلور وانبثاق أشكال جديدة للتعاون واتحاد الجهود والإمكانات بين كلٍّ من سورية وإيران والعراق واليمن ولبنان. وهذه الكتلة الصاعدة تهيئها إمكاناتها وقدراتها بعد الانتصار على الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي للتحوّل الى قطب إقليمي فاعل وحاسم، بالنظر للثقل السكاني والمساحة الجغرافية والقدرات الاقتصادية المجمّعة، والتي تبشّر بتحوّلها الى قوة فاعلة وهامة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا. وهذا هو الأمر الذي يخشاه المخططون الاستعماريون، ويعملون لمنعه وإبعاد خطره بكل الإمكانات والطرق الممكنة.

إن مكان لبنان الطبيعي في هذا التكتّل المشرقي يفترض بالقوى الحية في المجتمع اللبناني أن تتحرك وبسرعة لحجز مقعد ودور في مثل هذه الكتلة الضخمة والهائلة، من حيث تعداد السكان والإمكانات الاقتصادية والنطاق الجغرافي. وعلى اللبنانيين أن يفكروا جيدا بدور محوري لمهاراتهم الاقتصادية، وهي رصيد يمكن أن يجد له مكانا محوريا في مستقبل هذا التكتّل المشرقي الواعد. لكن مثل ذلك القطاف الاقتصادي سيسبقه مخاض وصراع وجودي ضد الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي. ولذلك نقول إن الغد المشرق الذي ينتظر لبنان دونه مسافة من الصراع والتضحيات المبنية على تأصيل هوية البلد كقلعة للتحرّر والمقاومة. بينما لا مكان لنا ولمصالحنا في الخضوع للهيمنة الاستعمارية الغربية.

ثالثا: التحرّك السياسي اللبناني ضمن منطق التوجّه شرقا والشراكة مع الأشقاء الأقربين غائب كليّا وشبه معدوم. فمتى كان آخر اجتماع للتنسيق اللبناني – السوري اقتصاديا أو سياسيا، أو مع الأشقاء العراقيين؟. والأدهى، والأكثر مدعاةً للاستغراب أن الاتفاقات الموقّعة مع الشقيقة سورية، هي شبه معلّقة. فمتى كان آخر اجتماع للمجلس الأعلى اللبناني – السوري؟.

إن تطوير الشراكات اللبنانية مع سورية وإيران والعراق، وتوظيف المصالح السياسية المشتركة في خدمة العلاقات الاقتصادية ليس بالأمر المستحيل، إلا إذا ظلّ القرار اللبناني محكوما بمراعاة الغرب وبعض العواصم العربية التابعة، التي تلقي بثقلها لمنع نشوء تكتّل إقليمي في المنطقة، يفلت من سطوتها، ويرسم خارطة جديدة للمصالح والشراكات.

ليس المطلوب من لبنان أن يكون متخندقا في أي صراع أو استقطاب داخل الساحة العربية. لكن ما ينبغي على السؤولين اللبنانيين الاحتكام اليه بصور حاسمة، هو المصلحة اللبنانية والحسابات الواقعية لعلاقات الشراكة والتعاون. وهذاهو الأمر، الذي يَفترض عملا سريعا لتطوير الشراكات مع الأشقاء في سورية والعراق وإيران واليمن، وبدون أي تأخير، ومن غير إدارة الظهر للعلاقة بدول الخليج وأهميتها كأحد صعد الشراكات الاقتصادية، التي تنطوي على الكثير من مصالح لبنان واللبنانيين. وبذلك يمكن للبنان أن يكون جسرا بين الأشقاء، يرعى المصالح المشتركة، التي تفرض التنسيق والتعاون.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى