بقلم غالب قنديل

هل فعلا يرفض الغرب الفساد ؟

غالب قنديل

تتحول التسريبات الإعلامية حول لقاءات المسؤولين اللبنانيين مع الزوار الغربيين إلى حصص عن مكافحة الفساد واهمية الإصلاح وهم يتعرضون أمام الكاميرات وخارج القاعات لزخات من المواعظ الأجنبية التي تصدرعن أشخاص ثمة الكثير من الشك في نبل دوافعهم يلقون محاضرات في العفة وعن رفضهم المزعوم للتنفع بالمال العام التي يصمت في حضرتها وتحت رهبتها معظم المسؤولين عندنا أمام الزوار الأجانب وإن تكلموا فليقدموا الوقائع التي تبرهن على رفضهم للفساد وحرصهم الشديد على المال العام ونزاهة إنفاقه على الخدمات العامة وفي الصالح العام وفق الأصول والقواعد القانونية.

 

أولا إن آفة الفساد والتنفع بالمال العام تلتصق بجميع الزوار الواعظين وحكوماتهم وملفات أحزابهم الحاكمة حافلة بالشبهات داخل بلدانهم وقد بلغنا بعضها ولاسيما ما تسرب من أموال لمافيات منظمة في شبكة إنفاق المساعدات المزعومة للشعب اللبناني وللنازحين السوريين في لبنان التي تحولت إلى منهبة مستمرة في توسعها وتضخمها وهم يستخدمون شبكات منظمة ينتفع منها عملاء محليون يعملون تحت يافطات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية ولطالما تعالت أصوات الشكوى من عدم وصول المساعدات إلى المستفيدين الفعليين وتمت لفلفة فضائح السلب والنهب بالمليارات في صفقات إغاثية متعددة يشرف عليها دبلوماسيون غربيون وموظفون أمميون ولم يعلن عن تحقيق جدي واحد في كيفية إنفاق اموال هيئات المساعدة والإغاثة الدولية بالمليارات وقد نشأت في قلب جمعيات الإغاثة شريحة من المنتفعين والسماسرة الدوليين والوكلاء المحليين هم جيش لصوص ومرتزقة عالمي يتاجر بأوجاع الفقراء ويسلب معظم ما يرصد لهم ويتسرب في قنوات الصفقات والمنافع الملوثة.

ثانيا إن بعض النقاش الغربي مع المسؤولين اللبنانيين وما ينقل عنه إلى العلن عبر وسائل الإعلام بتسريبات مقصودة يبغي إظهار الغرب في موقع النزاهة والحرص لتحصين مسعاه السياسي بدعاية كاذبة ولترويج مقاصده على انها تبغي مصلحة اللبنانيين بينما يحمل موفدوه خططا سياسية تجافي المصالح الوطنية وتتشابك مع المصالح والتوجهات الصهيونية المعادية والمعلوم ان شراكات عديدة نشأت في برامج المساعدة بين الإدارات الغربية والوكلاء المحليين من منظمات غير حكومية وموظفي وكالات الإغاثة ولم يعرض تدقيق واحد موثوق في كيفية إنفاق موازنة إغاثة النزوح السوري خلال الأعوام الماضية رغم ما نشر او تسرب من معلومات عن سرقات وصفقات التهمت المليارات التي استحوذت عليها جهات لبنانية نافذة استغلت مأساة الأشقاء السوريين مرتين فهي شاركت من لبنان في شبكة خدمات لعصابات الإرهاب بتوزيع المال والسلاح لقاء مبالغ ضخمة تسلمتها من الممولين في حكومات الغرب والخليج بينما قامت مافيا نهب لصوصي متعددة الجنسيات في هياكل شبكات الإغاثة التي تعاملت مع ملفات ما يزيد على المليون ومئات آلاف النازحين السوريين إلى لبنان.

ثالثا طبعا ملف النهب والسمسرة باسم النزوح السوري في لبنان والعراق والأردن مكتوم ولم يجر بشأنه أي تحقيق أممي بتواطؤ محكم بين جميع المتورطين والمنتفعين الأجانب والعرب والضحايا هم النازحون أنفسهم الذين تاجر بهم وباسمهم أخطبوط لصوصي متعدد الجنسيات تتقدمه عصابة تحتل مواقع قيادية في منظمات الإغاثة الدولية وما تسرب عن صفقات المساعدات في أسواق لبنان يكفي وحده للإدانة ولفضح حجم السرقات التي قدرت بمليارات الدولارات خلال السنوات الماضية ناهيك عن تجارة السلاح وشبكات نقله وتهريبه وتدريب الإرهابيين وتخديم شبكات نقلهم وتموينهم وتدريبهم التي أنفقت عليها المليارات وفي قلب هذه العملية التي قادها الغرب والخليج ثمة سماسرة وعملاء وزعماء لبنانيون وتجار قدمت بعض تحقيقات الصحف الغربية لمحات موجزة عن أرباحهم الفاحشة في حرب تدمير سورية وقد كانت الحكومتان الأميركية والفرنسية في مقدمة التدبير والإدارة والسمسرة بالمال الخليجي المرصود للعدوان على الشقيقة سورية والفجور الغربي في التخاطب مع السلطات اللبنانية يهدف لاستثمار المعلومات اللبنانية الرائجة عن الفساد السياسي والإداري لإخضاع المسؤولين سياسيا باستغلال ثغرة يمثلها نظام توزيع المنافع الذي يواجه بشكوى شعبية متزايدة مع اشتداد الحصار الغربي وحالة الشح المالي والركود الاقتصادي الناتجة عنه.

رابعا يحتاج لبنان بهياكل سلطته السياسية وإدارته العامة إلى ورشة إعادة بناء جذرية تنقله من الريعية إلى الإنتاج وتقترب بنمط  الإدارة العامة نحو الكفاءة وزيادة الإنتاجية لكن شرط نجاحها هو ان تتقدم بأولويات وطنية وبوصفها جزء من سياق تغيير شامل يحقق بنيانا اقتصاديا منتجا ومستقلا بشراكات متكافئة مع الشرق والغرب وبمعيار المصالح الوطنية أما مقاربات الغرب فهي ليست بعيدة عن اطماع الهيمنة اللصوصية لإحكام القبضة على الإرادة السياسية اللبنانية وفي قلب المقاصد شيء من الأهداف التي تخدم مصالح صهيون كما جرت العادة.

ثمة الكثير من التغييرات الواقعية التي يوجب الوضع اللبناني العمل عليها وثمة فرص عديدة لإعادة البناء الوطني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا شرط التحرر من قبضة الهيمنة الغربية ورفض الخنوع للمشيئة الأميركية والفرنسية التي لا تبغي مصلحة لبنان وشعبه مهما تلاحقت الخطب المبنية على التلاعب بالمشاعر الإنسانية بعد نكبة مفجعة وتبدو المشكلة المرهقة هي عقم العقلية السياسية السائدة وعجزها عن الابتكار والمبادرة ومراوحتها في حلقة مفرغة بينما يتمترس بعض الطيف السياسي في قدرية الخضوع والتبعية للمشيئة الأميركية الغربية وهو يريد توظيف أي شكوى في التحريض على المقاومة لخدمة مشاريع الهيمنة والنهب اللصوصي الغربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى