بقلم غالب قنديل

أصالة التحولات التي صنعتها المقاومة

غالب قنديل

لم تحظ “معركة ” مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي جرت مؤخرا بما تستحقه من الدراسة والفهم لمحاولة التعرف على التحولات التي جرت وتراكمت عناصرها في ميزان القوى الاجمالي بين المقاومة والجيش الصهيوني الذي يملك أضخم ترسانات الأسلحة والتجهيزات التقنية الحديثة ووحدات مدربة ومحترفة يدفع بها إلى النقاط الساخنة على خطوط الصراع والجبهات القتالية.

 

أولا إن تقييم ما جرى ومحاولة فهمه كمسار في الجانب الصهيوني سيكون على الأرجح بحثا أو تحقيقا مكتوما تجريه دوائر الأركان والاستخبارات والعمليات في القيادة العسكرية الصهيونية ولا يمكن الاستهانة بجدية ما يقوم به جيش العدو في هذا المجال بحرفية عالية لاستخراج الدروس والمعضلة التي ستواجه الكيان الصهيوني في الأغلب هي ان الاهتمام سيتركز غالبا على تفاصيل تقنية كما تبين من التقارير الإعلامية التي صدرت مؤخرا لتفسير الحدث بخطأ ارتكبته مجندة شابة حديثة الخبرة تواجدت في موقع رويسات العلم العسكري الحساس واطلقت إنذارا بنتيجة توهمها ان مجموعة من المقاومة تهاجم الموقع الذي انهمرت على دشمه الحامية قذائف المدفعية القادمة من موقع الاحتلال في هضبة الجولان.

ثانيا ليس الخطأ المزعوم ظاهرة عارضة بل هو حاصل مناخ من الرعب والتوتر والانتظار الصعب والقلق الذي عبر عنه مناخ الدوائر القيادية الصهيونية السياسية والعسكرية منذ انذار الرد الذي اعلنه قائد المقاومة الموثوقة وعوده لدى الأصدقاء والأعداء على السواء بواقع التجارب المتراكمة على امتداد العقود الماضية التي رسخت صورة للمقاومة وقائدها تتميز بالمصداقية العالية والثقة التامة بدقة التصريحات والوعود المعلنة في سياق تثبيت التوازنات والمعادلات وباعتراف صهيوني واضح وراسخ وردت التعبيرات عنه على ألسنة زعماء سياسيين وقادة عسكريين سابقين وحاليين وتناولت وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الصهيونية هذه الحقائق واعترفت بها بقوة في الفترة الأخيرة وبالتالي فإن المناخ السياسي والعسكري والنفسي في كيان العدو حكمه اليقين الصهيوني من ضربة قادمة لامحالة.

ثالثا اللافت للانتباه ان ما نحن إزاءه ليس مجرد تفاعل نفسي أصاب ضباط وجنود جيش العدو أو ما يمكن الاصطلاح على تسميته بالوعي الصهيوني الجمعي فهذا الوعي او اللاوعي انتقل من الإدراك المبرم لحقيقة تفوق مقاتلي حزب الله وسيطرتهم التامة على زمام المبادرة والثقة بفاعلية نيرانهم القادمة وبقدرتهم على اقتحام الخطوط والحواجز وتهديد المواقع العسكرية الأشد تحصينا التي يقيمها جيش الاحتلال على امتداد الجبهة وهذا ما يفسر شيوع حالات التخيل لوقوع هجمات في عز النهار أي في توقيت القدرة التامة على مشاهدة المهاجمين ومطلقي النيران بواسطة المناظير العسكرية وبالعيون المجردة وعادة يمكن التماس أعذار للوقوع في فعل التخيل او التوهم أمام الهجمات الليلية التي غالبا ما تصدى لها جيش العدو بالمناظير الخاصة وبالقنابل المضيئة بينما التخيل النهاري هو هلوسة ترقى إلى فضيحة عسكرية تامة تورطت فيها سلسلة القيادة وصولا إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والوزراء البارزين في الحكومة.

رابعا من الواضح اننا بلغنا مرحلة تاريخية نوعية جديدة تتكثف فيها حصيلة التوازنات والمعادلات وتراكم العوامل التي تدخل في حساب توازن القوى العسكري بعد حوالي أربعين عاما حفلت بالمعارك وتخللتها فصول الهروب الكبير عام ألفين ومن ثم الهزيمة المبرمة في حرب تموز 2006 لتأتي مؤخرا الحصيلة الواضحة في هزيمة العدو المبرمة امام المقاومة التي لم تضطر إلى إطلاق رصاصة أو إلى تحريك مقاتل من موقعه في مجابهة عدو مردوع يعرف جيدا عواقب الاشتباك المباشر والمعارك الميدانية ويخشى نجاح المقاومين في اختراق نقاط ومساحات جغرافية تعدل التوازنات جذريا وقد تفسح المجال أمام التداعيات الأخطر والأعلى كلفة بعدما نجحت المقاومة في إثبات الأدلة القاطعة على تفوق قدراتها النارية والميدانية الحاسمة وعلى الخبراء والباحثين في الجبهتين أن يجدوا الإجابة المقنعة على سؤال كيف يمكن كسب جولة من الحرب بإنذار ينشر التوتر في صفوف العدو ويغزو عقول القادة والجنود بتخيلات مرعبة عن الاشتباك المحتمل ونتائجه الكارثية وبالتالي تشكيل بيئة تقود لإطلاق النار في وضح النهار على مواقع العدو بأيدي جنوده أنفسهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى