بقلم غالب قنديل

الكارثة الزاحفة وواجبات الإعلام

غالب قنديل

يستمر الفيروس الغامض خطرا داهما وكابوسا مرعبا للبشرية التي لم يفلح علماؤها وباحثوها المتخصصون في العلوم الجرثومية بتفكيك طلاسم الوباء الجديد واكتشاف قوانين حركته وقواعد التعامل معه ومسار تطوره وتظهر في العالم تحذيرات متلاحقة من موجات أشد فتكا من الفيروس التاجي الذي قد يطور نفسه بصورة لا يمكن التنبؤ بها وثمة من ينذر من موجات قادمة من اوبئة اخرى مجهولة بينما تستمر المحاولات الجارية لابتكار لقاح وعلاج يحدان من طغيان هذه القوة المجهولة على البشرية وقد اوقعت أعدادا متزايدة من القتلى في سائر القارات بما يتخطى حصاد حروب كبرى.

 

اولا بعد نجاح لبنان في احتواء المراحل الأولى من غزو الجائحة ندخل مؤخرا وضعا حرجا شديد الخطورة على حياة الناس ولايبدو النظام الصحي قادرا على استيعاب استمرار الارتفاع في أعداد المصابين كل يوم بعد الأرقام القياسية التي سجلها الأسبوعان الأخيران ومع تزايد عدد القرى والبلدات المغلقة والمعزولة في مختلف المناطق اللبنانية رغم جهود وزارة الصحة والهيئات الحكومية لمتابعة التحذير من مخاطر عدم الالتزام بالتدابير الوقائية واهمها التباعد الاجتماعي ووضع الكمامات لتحاشي الاحتكاك بمصابين لا يعرفون بإصابتهم او ناقلين محتملين للفيروس من غير المصابين.

ثانيا تستدعي الوقاية الجدية والصارمة تراجعات منظمة عن عملية فتح البلاد واستئناف النشاط الاقتصادي بل وتطبيق نوع من الإغلاق الجزئي الذي سيرتب كلفة لابد منها لتلافي كلفة الكارثة الصحية الشاملة التي ستغرق لبنان في حال ارتفاع عداد التفشي وحال تخطي حصيلته من المرضى ما يفوق طاقة النظام الصحي الذي يعاني أصلا من عيوب ونواقص خطيرة وهو يعمل بطاقته المحدودة في التعامل مع الجائحة بجهد استثنائي يسجل للأطقم الطبية وللعاملين الصحيين وللمتطوعين الذي قدموا مساهمات وتضحيات هائلة تستحق التقدير والثناء لكنهم سيوضعون في امتحان خطير إذا استمر عداد التفشي في التصاعد بما يتخطى قدرة المستشفيات الحكومية والخاصة على الاستيعاب سواء لنقص في الأسرة والكوادر او التجهيزات التقنية.

ثالثا يتضح من متابعة المجريات ومن خلال التدقيق في تفاصيل حالات انتشار العدوى المصرح عنها ان الانقياد إلى عادات وتقاليد اجتماعية تخالف قواعد الوقاية وشيوع روح الاستهتار الفردي واللامسؤولية المنتشرة في لبنان هي مصدر الخطر الفعلي الذي يجب الالتفات إليه وهو ما يعكس ضعف الوعي الاجتماعي لحجم المخاطر والتهديدات الأمر الذي يستدعي عملا إعلاميا يستنفر الناس لحماية انفسهم وعائلاتهم إلى جانب التدابير الحكومية المتلاحقة التي كانت في المرحلة الماضية تسبق الوباء وخطوط انتشاره بينما هي اليوم تلهث خلفه في حالة التفشي الواسع الذي بينته الأرقام والبيانات الإحصائية.

ويقينا اذا استمرت الحال على منوالها الحاضر سيجد اللبنانيون مستشفيات تعجز عن استقبال مرضاهم أوعن مدهم بالتجهيزات الضرورية للإنعاش في غرف العناية الفائقة وتبيان هذه الحقيقة والبرهنة عليها يجب ان يكون موضوعا لحملة وطنية مكثفة عبر جميع وسائل الإعلام والاتصال وبكل الأشكال والوسائط الممكنة لخلق التوتر النفسي المناسب.

رابعا كما حصل في سائر البلدان التي تعاملت مع الجائحة شكل خيار التعايش مع الوباء واعتماد تدابير الحد من انتشاره إلى جانب العودة المتدرجة لدورة الحياة الاقتصادية مضمون التدابير الحكومية التي سيفرض التفشي الراهن التراجع عن بعضها وفي منطق الخيارات تظهر الوقائع ان كلفة تقييد الحركة مجددا واعتماد الإغلاق الجزئي لجميع مجالات التخالط المنفلش هي أقل بكثير من كلفة الكارثة الكبرى الواردة بقوة نظرا لقلة الإمكانات والتجهيزات الضرورية للتعامل مع احتمال التفشي الوبائي الواسع مع الإشارة إلى حالة الإرهاق التي لحقت أصلا بمؤسسات امنية وصحية حملت العبء المتواصل لاحتواء التفشي الوبائي طوال الأشهر الماضية رغم الصعوبات المعيشية الضاغطة على أفرادها في ظل التزامن بين زحف الجائحة والانهيار الاقتصادي والمالي الذي قيدت إليه البلاد.

إن المفتاح الحقيقي لمجابهة الخطر الزاحف والقاتل هو رفع مستوى الوعي واستنفار الإعلام الوطني لتحقيق التعبئة الشعبية الشاملة بدلا من صرف الجهات الإعلامية المختلفة جهودها في ملفات يمكن لها ان تنتظر كسب الجولة الأخطر مع كورونا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى