مقالات مختارة

20 عاماً على الانتصار… المقاومة ترسّخت واتسعت جبهتها و«إسرائيل» أكثر تأزّماً وقلقاً على وجودها… حسن حردان

‏قبل يومين احتفل لبنان بعيد المقاومة والتحرير في ٢٥ أيار عام ٢٠٠٠، ففي مثل هذا اليوم صنعت المقاومة الشعبية والمسلحة مجد لبنان والأمة عندما ألحقت الهزيمة المدّوية بجيش العدو الصهيوني وحطمت أسطورته، وأجبرته على الرحيلِ عن معظمِ الجنوب والبقاع الغربي، بلا قيد ولا شرط أو أيّ ثمن مقابل، وذلك لأول مرة في تاريخ الصراع العربي  الصهيوني.. ومنذ ذلك التاريخ حاول قادة العدو الصهيوني ومعهم إدارة العدوان في واشنطن وعواصم الغرب والرجعية العربية، التخلص من هذه المقاومة، التي تجرّأت على هزيمة القوة التي قيل يوماً إنها لا تقهر.. وعمدوا إلى المسارعة لشنّ الحروب بكلّ أنواعها، المباشرة وغير المباشرة، الخشنة منها والناعمة الخبيثة، للقضاء على المقاومة، التي تحوّلت إلى نموذج ومثال وقدوة بالنسبة للجماهير العربية وأزالت من عقول أبنائها مفاهيم الاستسلام والخضوع للأمر الواقع الصهيوني والخوف واليأس والإحباط، التي سادت نتيجة الهزائم العربية السابقة على انتصار المقاومة، وزرعت مكانها الشعور بالعزة والكرامة وإمكانية تحقيق حلم الأمة بتحرير فلسطين… غير أنّ هذه الحروب الأميركية الصهيونية الغربية العربية الرجعية فشلت في تحقيق هدفها، وجاءت نتائجها معاكسة تماماً، حيث ازدادت المقاومة قوة، عدة وعتاداً، وكماً ونوعاً، وتحوّلت إلى جبهة واسعة في المنطقة تحاصر كيان العدو الصهيوني لأول مرة منذ عام 1948، تحاصره ببيئة استراتيجية جديدة لمصلحة المقاومة عمّقت مأزق كيان العدو المتولد من هزائمه في لبنان وغزة.. فبات العدو أكثر تأزّماً وارتداعاً وقلقاً على أمنه واستقراره ومستقبل وجوده الاستعماري الاستيطاني على أرض فلسطين المحتلة.. هذه النتائج ترسّخت بعد فشل الحروب الأميركية الغربية الصهيونية والعربية الرجعية:

 

أولاً، إخفاق حرب إثارة الفتنة المذهبية عبر اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستدراج المقاومة إلى الوقوع في فخها، فلم تنجح هذه الحرب في تحقيق هدفها، حيث أنّ وعي قيادة المقاومة قطع الطريق على الفتنة وأسقط أهداف المخطط، الأميركي الصهيوني للنيل من المقاومة وتشويه صورتها والإساءة إلى سمعتها، وفشلت بالتالي خطة فبركة توجيه الاتهام للمقاومة بالوقوف وراء جريمة اغتيال الحريري..

ثانيا، فشل حرب تموز ٢٠٠٦، الأميركيّة الصهيونيّة بغطاء رجعي عربي، في سحق المقاومة.. حيث نجحت المقاومة في إلحاق هزيمة جديدة بجيش العدو الصهيوني، هزيمة أشد وأقسى من هزيمة عام ٢٠٠٠، ما أدى إلى زلزال جديد في قلب الكيان الصهيوني أكثر قوة من الزلزال الأول.. وهو ما ادخل الكيان في مأزق استراتيجي وتكتيكي، وجعله في حالة ارتداع أمام المقاومة ورجالها الأبطال الذين أذلوا جنود النخبة في جيش الاحتلال، بحيث ترسخت الهزيمة في عقول الجنود الصهاينة، وسادت في أوساط القيادة العسكرية والأمنية الصهيونية ما سمّي «عدم اليقين» بتحقيق النصر في حال أقدمت «إسرائيل» على شنّ حرب جديدة ضدّ المقاومة، خصوصاً في ظلّ انهيار المعنويات لدى جنود العدو، في مقابل الروح المعنوية العالية التي يملكها المقاومون الذين نجحوا في تغيير المعادلة في الميدان وإدخال الكيان في زمن الهزيمة والانكسار.. وبالتالي كي وعي جيش الاحتلال، ضباطاً وجنوداً، الذين لا زالوا يعانون حتى اليوم من كوابيس الرعب والهلع نتيجة ضربات المقاومة الموجعة التي تعرّض لها جيش الاحتلال قبل هزيمته عام ٢٠٠٠، ونتيجة المواجهات المباشرة والقاسية مع رجال المقاومة في بنت جبيل ومارون الراس ووادي الحجير، وغيرها من المناطق..

ثالثاً، فشل الحرب الإرهابية الكونية بقيادة الولايات المتحدة في إسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة برئاسة الرئيس بشار الأسد، والتي هدفت أيضاً إلى محاولة قصم ضهر المقاومة من خلال السعي لإسقاط قلعتها العربية وعمود خيمة محور المقاومة، كما وصفها قائد المقاومة سماحة السيد.. وأدى ذلك إلى سيادة المناخات التالية:

1ـ إقرار الدول المعادية لسورية بأنّ الرئيس الأسد وحلفاءه في محور المقاومة وروسيا انتصروا، وأنّ سورية باتت في طريقها لتحقيق النصر النهائي على ما تبقى من إرهابيين، وإجبار القوات المحتلة التركية والأميركية على الرحيل عن أرضها، وأنّ ذلك أنتج وسينتج موازين قوى جديدة في المنطقة وعلى الصعيد الدولي ليست لمصلحة أميركا و»إسرائيل».

2ــ ارتفاع منسوب القلق داخل الكيان الصهيوني، من أن انتصار الرئيس الأسد يسهم في تعزز قوة قوى المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة وعموم المنطقة، وبالتالي يشكل هزيمة استراتيجية لـ «إسرائيل».. لا سيما أن هذا الانتصار يعني أيضاً الفشل في محاولة فك عرى التحالف الاستراتيجي بين سورية وإيران، وكذلك الفشل في الاستفراد بالشعب الفلسطيني ومقاومته، وبالتالي سقوط الرهان الإسرائيلي الأميركي على تصفية قضية فلسطين..

رابعاً، نجاح مقاومة الشعب العربي في اليمن في إحباط أهداف العدوان الأميركي الصهيوني السعودي لإعادة إخضاع اليمن ومنعه من التحرر من التبعية للولايات المتحدة والمملكة السعودية، وهذ النجاح للمقاومة اليمنية شكل ضربة موجعة لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الأميركية في الوطن العربي وضربة قوية لكيان العدو الصهيوني، بسبب الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن على طريق التجارة العالمي، واستنزاف النظام السعودي وإضعاف قوته ودوره الرجعي الخطير في خدمة السياسة الأميركية الصهيونية، ولهذا فإنّ صمود المقاومة الشعب اليمني جعل جبهة المقاومة تتوسّع وتزداد قوة وقدرة وتأثيراً

خامساً، التحوّلات الحاصلة في موازين القوى في العراق لمصلحة قوى المقاومة، وما يعنيه ذلك من فشل لأهداف الحرب الأميركية الصهيونية لتحويل العراق إلى قاعدة للتآمر على إيران وسورية ومنع التواصل البري بينهما..

سادساً، تنامي قوة إيران الثورة ونجاحها في كسر الحصار الأميركي وفرض معادلات الردع في البر والجو والبحر في مواجهة القوة الأميركية.. وهو ما تجسّد في إسقاط طائرة التجسّس الأميركية المتطورة العام الفائت، ومن ثم قصف قاعدة عين الأسد الأميركيّة بصواريخ متطورة رداً على إقدام الجيش الأميركي باغتيال قائد قوات القدس الشهيد الفريق قاسم سليماني، وتكتم واشنطن على خسائرها العسكرية والبشرية، إضافة إلى نجاح إيران في منع السفن الحربيّة الأميركيّة من التحكم بمضيق هرمز، وردع القرصنة البريطانية ضدّ ناقلة النفط الإيرانيّة، وصولاً إلى كسر الهيمنة الأميركيّة عبر إرسال ناقلات النفط الإيرانيّة إلى فنزويلا والصين..

سابعاً، وآخر الحروب، الجارية حالياً، هي الحرب الاقتصاديّة الماليّة التي تستهدف محاصرة المقاومة في بيئتيّها، وتأليب اللبنانيّين ضدّها، من خلال زيادة معاناتهم الاجتماعيّة والارتكاز عليها لإثارة احتجاجات في الشارع لفرض تغيير المعادلة السياسيّة والسيطرة على السلطة التنفيذيّة من قبل فريق مؤيد للسيّاسة الأميركيّة… لكن هذه الخطة أخفقت وكانت النتيجة أن أدّت استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري إلى تشكيل حكومة خالية من فريق ١٤ آذار التابع للسيّاسة الأميركيّة.. ومع أنّ المعركة في مواجهة الحصار الأميركي لم تنتهِ بعد إلاّ أنّ انتصارات محور المقاومة وتراجع الهيّمنة الأميركية لا سيما بعد نجاح إيران في كسر الحصار الأميركي المفروض عليها وعلى فنزويلا، سوف يسهم في إسقاط الأهداف الأميركيّة لمحاولة تحقيق ما فشلت فيه الحرب الإرهابيّة..

انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول، بعد عشرين عاماً على انتصار عام ٢٠٠٠ باتت المقاومة ومحورها أكثر قوةً واتساعاً، في حين أصبح كيان العدو أكثر تأزّماً وارتداعاً، والهيمنة الأميركيّة في حالة انحسار، وموازين القوى في المنطقة والعالم تتبدّل لمصلحة تعزيز الاتجاه العالمي الساعي لإقامة عالم متعدّد الأقطاب، لا سيما بعد ظهور عجز الولايات المتحدة عن إدارة الحرب العالمية ضدّ كورونا على المستويين الدولي والداخلي.. وهو ما يضاعف من قلق الكيان الصهيوني الذي استند في نشأته وتثبيت احتلاله، وتعزيز قوته العسكرية والاقتصادية وشن حروبه، إلى الدعم الأميركي الغربي..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى