مقالات مختارة

السيد حسن نصرالله أو معادلة الحضور والحلم والهيبة والسمعة الطيبة عبد الهادي محفوظ

 

          ’’العصبيات لا تبني أوطانا‘‘. مقاربة أخذها السيد حسن نصرالله من إبن خلدون. فالعصبية الطائفية هي علّة العلل ومشكلة النظام السياسي اللبناني وفقا لتوصيف الإمام السيد موسى الصدر المتأثر بفكره وبنظريته السياسية السيد حسن نصرالله. فالعصبية الطائفية هي على حساب فكرة الدولة  والمواطنة في آن معا. وهي التي أنتجت نظام المحاصصة الطوائفية الذي ارتكز بدوره إلى منظومة الفساد السياسي والإداري وإلى إنتاج خشية من الآخر وإلى تعميق الفجوات في النسيج الإجتماعي اللبناني وإلى إعاقة أي محاولة تغيير بالإتجاه الأفضل في النظام السياسي اللبناني كما إلى تعطيل دور المؤسسات في الرقابة والمحاسبة.

 

          بهذا المعنى باستمرار يبحث السيد حسن عن المشترك مع الآخر اللبناني وإلى احترام خصوصيته وأخذها في الإعتبار. وهو وإن حمل مشروع المقاومة في مواجهة اسرائيل غير أنه لم يُلزم الآخرين به علما بأن تحرير الأراضي اللبنانية والسيادة هو مكسب لكل اللبنانيين وفيه الخير المشترك للجميع.

          تقع مسألة المقاومة في فكر السيد حسن نصرالله في دائرة ’’التكليف‘‘ لجماعته. وفي هذا السياق يمكن فهم أن أعزَّ الناس عليه بمن فيهم ابنه الشهيد هادي قد مضوا إلى ملاقاة ربهم بدون خوف كما أن درب الشهادة لا تمييز فيه طالما ان الهدف هو تحرير الأرض والسيادة والكرامة. وهذه ’’رسالة‘‘ كان الإمام الحسين قد كرّسها عندما مضى إلى معركة غير متكافئة لإصلاح وضع الأمة. وهكذا فالسيد حسن ينتمي إلى مدرسة الحسين الحقيقية ما يفسّر أنه مقاوم صلب وتغييري حقيقي ومتابع موضوعي للتطورات ولموازين القوى ويوازن بحكمة بين الحاجة إلى كون اسرائيل هي العدو الأساسي وبين الحاجة إلى التماسك الداخلي اللبناني واستبعاد حصول أي فتنة طائفية تكون مدخلا لحالة اسرائيلية في ’’الداخل اللبناني‘‘.

          لا أحد يستطيع أن ينسب السيد حسن نصرالله إلى نظام المحاصصة. هو خارجه مثل المعترضين عليه.   فالسيد حسن هو مع الكفاءة والسمعة الطيبة في كل الطوائف اللبنانية. وكان قد سبق ظاهرة الحراك الشعبي في الدعوة إلى مواجهة الفساد والمفسدين. ومن هنا هو مع المطالب المحقة ’’للحراك الشعبي‘‘ ولكن من دون الوقوع في التعميم واستعجال الأمور و’’المغامرات‘‘ التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية في حال غياب الرؤية الواضحة وتحديد الأولويات والتمييز بين حاجة الداخل إلى التغيير وبين استثمار ’’الخارج‘‘ للوضع باتجاه تمزيق النسيج الإجتماعي ودفع اللبنانيين إلى الإقتتال في ما بينهم.

          من هذه الزاوية أقرأ السيد حسن نصرالله خلال مرحلة ’’الحراك الشعبي‘‘ الذي قد هدأ مؤقتا الآن وخلال مرحلة الكورونا التي نحن فيها.

          والمهم الآن في ’’مرحلة الكورونا‘‘ كان موقف السيد حسن مميزا عن غيره من السياسيين. فهو أدرك أننا إزاء عدو ’’خفي‘‘ وشرس ما يفترض تضامنا لبنانيا واستبعاد الخلافات السياسية والمناكفات داخل الطبقة السياسية. كما لمّح بوضوح إلى خطأ البعض الذي يلجأ إلى الشماتة وتسييس موضوع الكورونا التي لا تستثني طائفة أو مدينة أو بلدة أو قوميّة ودعا صراحة إلى مقاومة مجتمعية لظاهرة الكورونا المدمرة وأرفق ذلك بجيش صحي وضعه في خدمة كل اللبنانيين. إنه حسّ المسؤول الذي يترفع عن المكاسب الشخصية أو الحزبية. وهذا ما يفتقر إليه عموما اللبنانيون في أشخاص زعاماتهم السياسية. ولعل هذه الميزة في شخص السيد حسن نصرالله الناجمة عن الزهد والتعبّد مربوطة بالفلسفة الحسينية وبما جسّده الإمام موسى الصدر من عمق في التفكير ومن تواضع القائد الحقيقي. فالمشترك بين الإثنين هو البعد الإيماني والوفائي واستقراء الواقع وخدمة الناس: فالأديان عند الإمام الصدر هي ’’في جوهرها واحدة عند الله غايتها بناء الإنسان وخدمته وأن القاسم المشترك بين المسيحية والإسلام هو الإنسان الذي هو هدف الوجود وبداية المجتمع والغاية منه والمحرّك للتاريخ‘‘ على ما يقول الإمام.

          من ميزات القائد الحضور والهيبة والسمعة الجيدة. وهذه الميزات هي ما تلمسه عندما تحاور السيد حسن نصرالله الذي التقيت به مرتين منذ أكثر من عشر سنين واستوقفني فيه صراحته وصدقه وحدسه الذي لا يخيب. ولعله بفضل هذه الميزات امتلك كل ذلك التأثير ليس في محيطه اللبناني والعربي والإسلامي فقط بل في أوساط العدو الإسرائيلي. فهو يربط بين ’’النص‘‘ والواقع والقول والفعل ولا يطلق المواقف جزافا. فالسيد يعطي الأولوية للتناقض الأساسي مع الكيان الصهيوني على التعارضات الثانوية التي تنشغل بها الطبقة السياسية كما يُغلّب الوحدة الوطنية على المكاسب الفئوية. ولذلك هو من نسيج آخر لا يتوفر إجمالا مع من يتعامل معهم من حلفاء وخصوم.

          وعندما يقتنع السيد حسن نصرالله بأمر ما يمضي فيه إلى النهاية ولا يجامل حلفاءه. وأقول هذا الكلام من تجربة شخصية لي مع السيد حسن. ففي العام 2004 كان المسؤول السوري عن الملف اللبناني اللواء رستم غزالي يعترض على إعادة انتخابي عضوا ورئيسا للمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع وأبلغ كافة القوى السياسية بهذا الموضوع. وأصرّيت شخصيا على الترشيح فكان أن تواصل معي رئيس الكتلة النيابية لحزب الله النائب الحاج محمد رعد وأبلغني بأن السيد حسن يدعمك في الترشيح… وهكذا كان ما جعل للسيد حسن دينا في ذمتي وأنا الذي كانت لي مآخذ على الصرامة الأيديولوجية لحزب الله.

          وأخيرا أقول بصراحة وإن كان يخالفني الرأي كثيرون. الفضل في حضور لبنان الفاعل على الخريطة الدولية يعود لهذا السيّد الذي يُشغل بال اسرائيل وحلفائها. وواقع الحال يمكن للسلطة السياسية في لبنان أن تستثمر في موقف السيد لتعزيز استقلالية القرار اللبناني وحتى في جذب الإستثمارات. فلولا السيد ما كان هذا الإهتمام الأميركي والغربي بلبنان بالدرجة التي نلمسها حاليا. وهذه حقيقة. فمن يقرأ في حركات السيد وتعبيره ولغة جسده ويديه ونظراته يدرك تماما أن هذا الرجل يعرف ما يريد ويقرأ في خفايا الأمور ولا يخاف من المفاجآت ومستعد في كل لحظة لمواجهة الطوارئ والعواصف والمتغيرات… ولذا ينظر إليه العالم الغربي بأنه اللاعب الإقليمي المُتعِب والمربك للحسابات عكس من هم في السلطة الذين يراعون ضرورات بقاء الأنظمة على حساب الموقف المبدئي فيما السيد محكوم بخيارات الأمة وفقا للتفسير الحسيني وارتقابا لظهور الإمام المهدي الذي يوازي في المسيحية ظهور السيد المسيح وخلاص البشرية. ولا عجب إذا كان هناك من يستنتج بأننا نقترب من ’’نهاية العالم‘‘ على اعتبار أن الكورونا تحمل مؤشرات ذلك. كما أن الطبيعة ترسي توازنها بعد أن أساءت الرأسمالية المتوحشة إلى البيئة ومتوسطي الحال والفقراء على ما يقول الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري.

          قد يقول البعض أن السيد يحلم. لا إنه يعيش الحلم ويترجمه إلى فعل. فمن كان يصدّق أن هذا السيد ومن معه ومن آمنوا بحلمه حرروا الجنوب وأسقطوا أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر والذي أقام الحيطان الواقية لكنه يعيش كابوس الأنفاق وحتى الطائرات المسيّرة والتقنيات الخفية. يا سيد أنت تحلم. والحياة من دون حلم هي موت أقسى من الموت. وما تحلم به هو كابوس للخصوم ويفقدهم ’’شبكة الأمان‘‘ ووهم التفوّق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى