بقلم غالب قنديل

التصفير الممكن وتحويل التهديد إلى فرصة

غالب قنديل

مع التوقف العام لمعظم الأنشطة الاقتصادية والتباعد الاجتماعي القسري تاخذ الكرة الأرضية استراحة قد لاتطول من عبث التلوث المدمر وتوحش الاستخراج الجشع لخيراتها المختزنة بما يهدد باختلالات مناخية وكوارث وتهديدات كان منها الفيروس التاجي الجديد.

 

أولا إنها فرصة سانحة لتفكير جدي بدون صخب في كيفية مواجهة التحديات المزمنة والمتراكمة ومحاولة مراجعة الخيارات والسياسات العليا في جميع بلدان العالم.

 نحتاج إلى استثمار سانحة الجائحة بالذات في لبنان حيث بات منطق الاضطرار يفرض التكيف مع أزمتنا العميقة التي أدت إلى الانهيار الكبير اقتصاديا وماليا ونقديا كنتيجة لنموذج ريعي تابع للهيمنة ومن حسن حظ اللبنانيين والمقيمين ان الجائحة تزامنت مع وجود حكومة تختلف عن سابقاتها انتدبت نفسها لوقف الانهيار وتصرفت مع الخطر الوبائي بيقظة علمية وبانتباه شديد وباولوية الصالح العام بعيدا عن نهج التنفع والمتاجرة الذي تركزت عليها سلوكيات سابقاتها من حكومات ما بعد الطائف ومما لاشك فيه ان الظرف المنطلق من الخطر الوبائي ومع اندماجه بالانهيار الاقتصادي يخفض طاقة الحكومة على التعامل مع التحديات بالاعتماد على القدرات الوطنية وما هو متاح من المساعدات الخارجية التي سيغدو الحصول عليها أشد صعوبة مع تزاحم الأولويات المحلية في جداول أعمال حكومات البلدان جميعها بكبيرها وصغيرها لكن ذلك لا يعني فعلا أننا لسنا امام فرصة جدية لإعادة إطلاق دورة الحياة على قواعد مختلف عن السابق.

ثانيا في الأجهزة والشبكات الإكترونية الحديثة خاصية تقنية تدعى التصفير وتستخدم في التحرر من آثار الفيروسات والهجمات وتأثيراتها ونتائجها لإعادة إطلاق الأنظمة البرمجية وحمايتها.

اليوم يمكن القول إن لبنان امام فرصة اختيار صفر اقتصادي ومالي يمكن التحرك منه لإطلاق نموذج اقتصادي جديد مختلف عن السابق الذي انهار ودمر معه ثروات ومدخرات وإمكانات وترك ندوبا وأضرارا لايستهان بحجمها في المجتمع أصابت بصورة رئيسية الطبقات الوسطى والفقيرة التي تخسر مع التوقف الاقتصادي الراهن أبسط مواردها بعدما خسر الكثير من أفرادها فرص عملهم وباتوا ينتظرون الإعانات الاجتماعية من برامج المساعدة الحكومية المستحدثة في استجابة جيدة لتحديات الأزمة والجائحة معا بينما تسهم في احتواء النتائج المؤقتة مبادرات التكافل الاجتماعي التي تقودها مؤسسات اهلية وسياسية كما يسهم فيها العديد من المتمولين بحوافز سياسية متعددة وبدرجات متفاوتة من الجدية والتنظيم.

ثالثا إعادة الهيكلة وشطب الديون ومساعدة العاطلين عن العمل ومراجعة بنية القطاع المصرفي ودوره وتحفيز الاستثمار المنتج وخلق فرص العمل هي المفردات نفسها تتكرر في قلب الولايات المتحدة وبوتيرة أشد مما هي عليه متداولة في لبنان البلد الصغير باقتصاده المتواضع قياسا للاقتصاد الأميركي الذي احاطه اللبنانيون بخرافات كثيرة زعزعتها جائحة  كورونا .. والأولى أن تمتلك السلطات والقيادات في بلد يعاني من الهيمنة والتبعية وقيودها القاتلة والمانعة للتنمية شجاعة التفكير والمبادرة متحررة من بديهيات ما قبل الأزمة والانهيار وحيث يمثل الاتعاظ من التجربة وحفظ الدروس وتجسيدها في رسم توجه جديد خلاصة نظريات المعرفة البشرية وفلسفتها المنهجية.

 من الصفر الممكن يصبح الانطلاق أقوى وأفضل وإذا امتلكوا الإرادة السياسية الجدية يستطيع المخططون والمسؤولون والقادة السياسيون تأسيس توجه جديد يقوم على الإنتاج ويفتح أبواب الشراكات الندية مع العالم والإقليم بلا تبعية او هيمنة وبمعيار اولوية الصالح العام اللبناني اقتصاديا واجتماعيا بأعلى درجات التضامن الوطني الممكن بعيدا عن المنازعات التي كانت دائما أصداءا محلية لقوى الهيمنة الاستعمارية القابضة على الأسواق والموارد وبكلمتين هذه  الحكومة مؤهلة وهي محصنة بنجاحاتها للتقدم والفرصة سانحة كذلك.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى