بقلم غالب قنديل

مسؤولية احتضان الحكومة ودعمها

غالب قنديل

يمكن لأي متابع  ليوميات الوضع اللبناني وللمشهد الإعلامي ملاحظة الاستهداف المنظم لحكومة الرئيس حسان دياب من مصادر متعددة تقصفها بالاتهامات وتشن حملات عدائية ضدها تصل أحيانا إلى المطالبة بإسقاطها ويتعدى الأمر نطاق القوى السياسية التي شغلت حجما بارزا في واقع الحكومات السابقة وصياغة نهجها الاقتصادي والمالي وهي لا تكف عن مناكفة الحكومة واعتراض محاولاتها لبلورة خطة إنقاذية والشروع في تنفيذها.

 

اولا إن أخطر ما يروج في التحريض ضد الحكومة هو تحميلها مسؤولية الانهيار الذي راكم مقدماته ومسبباته نهج سياسي اقتصادي مالي قاد معظم الحكومات في سنوات ما بعد الطائف التي لايمكن لأي عاقل اعتبار الحكومة الحالية امتدادا لها لا من حيث التكوين السياسي ولا من زاوية هويات الأشخاص غير الحزبيين الذين تطوعوا لمغامرة إنقاذية غير سهلة وغير مريحة اما عن خطوات الحكومة في التعامل مع الأزمة الخطيرة فهي لم تظهر بعد وينبغي إمهالها منطقيا لتباشر اتخاذ قرارات تعكس توجهاتها لاحتواء الانهيار والحد من الخسائر والنتائج الاقتصادية والاجتماعية وهذا هو مضمون الفرصة التي طلبها رئيس الحكومة في جلسة مناقشة البيان الوزاري.

ثانيا من الأشد إثارة للاستغراب والتعجب طمس المسؤولية الفعلية عن الخيارات المهلكة التي اوصلت البلاد إلى ما هي عليه ولتلك الخيارات صانعون ومروجون وطوابير دعاية يتقدمون صفوف جوقة الاتهام والحصار التي تسعى لعرقلة مسيرة الحكومة والتشكيك في محاولاتها وتتنوع المفارقات والتعبيرات حين نشهد مباريات في الخطابة عن الكارثة والتفجع على معاناة اللبنانيين من ساسة وإعلاميين ومنابر إعلامية ادمنت بيع الوهم حول الحقبة السابقة وخياراتها وهي التي انتجت وعود  الرخاء الزائف واوهام النهوض في زمن الورم الريعي والمضاربات البنكية والعقارية وتضخم الدين العام بفوائد ربوية فلم يكن ممكنا للنموذج الريعي التابع ان يستمر لولا اغلفة الدعاية الكاذبة التي زينت اعتماده وحصنته بالخداع وزعمت له قدرة الاستمرار وحصانة الصمود في وجه التغييرات والتراكمات وقد تشارك في صنعها وتزويقها ساسة وإعلاميون شيطنوا وحاربوا جميع ناقدي النموذج الذين أبكروا في تاكيد عدم صلاحيته.

ثالثا ضفة الثلاثي الغاضب والناقم أي المستقبل والقوات والتقدمي هي ضفة الشركاء في صنع الانهيار وما ترتب عليه بقيادة الرئيس سعد الحريري الذي لايحق له أبدا تكرار ذريعة عرقلة جهوده او شكواه من مؤامرة مزعومة على الحريرية السياسية  ففي جميع الحكومات التي رئسها والده الراحل وهو شخصيا وحتى معاونهما الرئيس فؤاد السنيورة كان الملف الاقتصادي والمالي بجميع مبادئه وتفاصيله في عهدة تيار المستقبل وتحت سقف التوجهات التي يرسمها وقد مارست سائر الأطراف الشريكة في السلطة تكيفا جذريا مع رؤية تيار المستقبل وخططه العملية بدون أي تحفظ سواء بحافز بناء تفاهم سياسي يكرس استقرار السلطة ام بدافع ضمان المغانم والحصص المتاحة ام بنتيجة السعي لمداراة الحساسيات الطائفية وهذا ما يجعل جميع الانتقادات التي يرددها شركاء الأمس للنموذج الذي سقط وانهار فاقدة للمصداقية موضوعيا.

رابعا يخشى أرباب النموذج الساقط نجاح الحكومة في إثبات جدارتها برسم توجهات اقتصادية جديدة تنهي حالة الانهيار وتضع حدا لآفة نهم التقاسم التي طغت على جميع مفاصل إدارة الشأن العام فمن الواضح أن نجاح التجربة أيا كان مداه سيكون إدانة لمن سبقوا في مواقع المسؤولية وتركوا الحبل على غارب النزيف المتواصل من غير استدراك حتى وقع ما وقع.

على الرغم من موقف رئيس الحكومة ووزرائها الإيجابي مما اصطلح على تسميته بالحراك المطلبي يغيب هذا الحراك الذي يبدو افتراضيا وهو لم يحضر في أي نشاط لحماية فرصة الإنقاذ التي يفترض انها مصلحة عامة لجميع اللبنانيين بدون استثناء بل إن اللافت هو ظهور حراكات حزبية في الشوارع تهاجم الحكومة ورئيسها وتدعو لإسقاطها وهي في الواقع ليست سوى رجع الصدى لتمنيات قيادات سياسية تقرأ حاصل التشكيلة الحكومية كخسارة سياسية لها رغم انها تعمدت إدارة ظهرها لعروض الشراكة في محاولة الإنقاذ قبل تكليف الرئيس دياب وعندما تقدم الرئيس المكلف منها عارضا التعاون امتنعت ثم منعت الثقة عن الحكومة ورئيسها.

خامسا ثمة مسؤوليات عن احتضان الحكومة ورعاية خططها وتوفير الدعم الشعبي لجهودها في وجه الحملات المشككة وهي تقع على الحلف الداعم سياسيا بوضوح وعلى الهياكل النقابية والاجتماعية والحراك المطلبي وخصوصا على عاتق جميع من يملكون القدرة على الترشيد والتأثير ويفترض ان تتناغم الجهود في هذا الاتجاه وألا تترك الحكومة ضحية استنزاف يستهدف مصداقيتها ويلجم اندفاعتها بقدر ما يتطلب الأمر من الرئيس دياب وفريق عمله الحكومي مباشرة اتخاذ خطوات عملية تحد من الاستنزاف في المجالات الممكنة وعدم تاخير الخطوات العملية بانتظار الخطة الشاملة التي يطمح إلى بلورتها واقتراحها.

إن التصدي لمشكلات نقص السلع الضرورية وإيجاد المصادر الأقل كلفة وطرق تأمينها ومكافحة الاحتكار وفلتان الأسعار هي عملية مستمرة وتمثل اولوية ضاغطة يجري التلاعب المتعمد بأعصاب الناس بواسطتها وتسخر في استهداف الحكومة وهذا يوجب اعتماد الحزم في فضح التكتلات الاحتكارية التجارية المسببة للأزمات واتخاذ إجراءات وتدابير غير اعتيادية في هذا الظرف غير العادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى