بقلم غالب قنديل

سورية ومستقبل العلاقات التركية العربية

غالب قنديل

شكل الدور التركي محورا مركزيا في الغزوة الاستعمارية الغربية الصهيونية بقيادة الولايات المتحدة وكان العدوان على سورية ميدانا لاختبار أردوغان لأوهامه العثمانية واطماعه المباشرة في البلد الجار الذي تصرف بمنطق الأخوة والسعي إلى الشراكة وقوبل بسكاكين الغدر ومآثر النظام التركي الأخواني في التآمر على سورية ودوره المشين في حشد الإرهابيين والمرتزقة وقطاع الطرق واللصوص إليها من جميع انحاء العالم وتدريبهم وتسليحهم ومؤازرتهم عند اللزوم بالقدرة النارية وبوحدات مقاتلة من الجيش التركي نفذت عشرات العمليات داخل سورية وضد الجيش العربي السوري خلال السنوات التسع الماضية.

 

اولا عبرت القيادة السورية غير مرة عن اعتقادها ورغم جرائم انقرة وتآمرها  بأن سورية وتركيا محكومان بقدر الجوار الجغرافي والمصالح المشتركة وهو ما كان الرئيس الدكتور بشار الأسد يبني عليه في العلاقات الثنائية قبل التورط التركي في العدوان على سورية ورغم ذلك يلاحظ المتابعون ان لغة الأسد في مخاطبة الرأي العام التركي والسوري تحفظ مكانة بارزة لمستقبل الجوار والشراكة وتميز بدقة بين قيادة النظام ممثلة بأردوغان وفريقه وبين المؤسسة العسكرية التي خصها الرئيس السوري مرارا بتنويه واضح وسائر القطاعات الشعبية التركية التي خاطبها مرارا بالبناء على المصالح المشتركة والمستقبل المشترك من ضمن تصوره الاستراتيجي لمستقبل المنطقة وطموحات سورية لتكوين نطاق إقليمي مشرقي متحرر من الهيمنة.

ثانيا من هذا الموقع تجاوبت القيادة السورية بكل إيجابية مع مبادرات الاحتواء الروسية والإيرانية  اتجاه تركيا من خلال تعاونها في تنفيذ العديد من التفاهمات والاتفاقات التي أثمرت عنها محطات تفاوض سابقة وتجلت بصيغة مناطق خفض التصعيد.

قابلت القيادة التركية الاستجابة السورية بفجور عدواني لايحتمل المساومة  وقد اوجب ردودا سورية قاسية سياسيا وميدانيا وخصوصا في الفترة الأخيرة عندما شن أردوغان عدوانا وقحا على  السيادة الوطنية السورية فقد صبرت القيادة السورية طويلا على المماطلة التركية في تنفيذ التزامات أنقرة بتفكيك العصابات التي رعتها ودربتها واستعملتها لتدمير العديد من المناطق ونهبها وكان طبيعيا ان تبادر سورية إلى إطلاق حملة وطنية لتحرير المناطق التي تحتلها عصابات المرتزقة والإرهابيين المدعومين من تركيا وقد نضجت شروط نجاح الحملة مع استهلاك المهل التي طلبتها الحكومة التركية من روسيا وإيران وفي ظل استفحال المعاناة الشعبية السورية من سيطرة لصوص أردوغان وتناحرهم على الأرض بحيث بات دخول الجيش العربي السوري هو المطلب الذي يتردد في السر والعلن رغم البطش والترهيب والتنكيل.

ثالثا اختبرت القيادتان الروسية والإيرانية  خلال سنوات فرص جذب أردوغان إلى محور مناهضة الهيمنة لكنه أصر على لعبة مزدوجة من خلال الرقص على الحبال فهو متمسك بحاصل الشراكات الاقتصادية والسياسية المجزية مع طهران وموسكو ويعرف أضرار التخلي عنها والمغامرة بخسارتها وقد لقنه الرئيس بوتين درسا مؤلما عندما غامر بإسقاط طائرة روسية اضطر بعده إلى تقديم اعتذار ذليل لكنه يظهر باستمرار ارتهانه لمصالح تربط نظامه الولايات المتحدة والمعسر الاستعماري الغربي وهو متمسك بالاحتفاظ بكليهما في منطقة رمادية.

ما يزال أردوغان مصمما على الابتزاز وهو يقفز صوب الحبل الأميركي ويستذكر عضوية حكومته في الناتو وبغازل الرئيس ترامب عندما يجابه ضغطا روسيا كما يلوح بالخيار الروسي ليعزز شروط التحاقه بالمحور الأميركي وقد بات في الحصيلة  من الواضح أن كسر هذه الحلقة المفرغة هو الشرط الرئيسي لوقف الابتزاز من خلال فرض الرضوخ لشروط السيادة السورية قبل أي تفاوض محتمل حول مستقبل العلاقات الثنائية الاقتصادية والأمنية وقد كان من ضروب التساهل السياسي المؤذي الصمت على كلام أردوغان عن تطبيق اتفاق أضنة من خلال دفع قواته الغازية التي استباحت المناطق الحدودية مع سورية وهو ما رفضته دمشق في بيان رسمي ورد عليه الجيش العربي السوري بالنيران وبمشاركة ودعم روسي واضح ميداني وسياسي عبرت عنه بيانات سياسية روسية وإيرانية  لم تقطع خطوط الاتصال بأنقرة.

رابعا إن موجبات الحلف الاستراتيجي مع سورية تفرض على القيادتين الروسية والإيرانية  اتخاذ مواقف صارمة من التلاعب التركي فذلك هو الأساس الممكن والواقعي لبناء خريطة جديدة للمنطقة ولحسم الخيارات التركية الاستراتيجية بين المحورين الأميركي والشرقي لن يكون سوى بوضع نهاية للابتزاز والتلاعب ومن خلال إلغاء هوامش الميوعة السياسية بعدما رسم الجيش العربي السوري قواعد جديدة لتوازنات الميدان يمكن ان يبنى عليها الحزم السياسي المطلوب والذي لاغنى عنه في مقابل مناورات أردوغان المتلاحقة وبين مطرقة الحسم الميداني وسندان الحزم السياسي يمكن الوصول إلى نتائج واضحة.

المطلوب من روسيا وإيران مواصلة الدعم السياسي الصريح لحق الدولة الوطنية السورية في استعادة سيادتها الوطنية غير المنقوصة على ترابها الوطني حتى الحدود التركية السورية إلى جانب ترك الباب السياسي مفتوحا لتفاوض ثنائي ممكن حول آليات تطبيق اتفاق أضنة وينبغي القول لجميع المعنيين والمهتمين إن أي تصور سليم لمستقبل العلاقات التركية العربية وأي تفعيل للاختيار التركي بين المحورين الكبيرين في المنطقة والعالم  بات رهنا بالتضامن الفعلي مع دمشق وقبل كل شيء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى