بقلم غالب قنديل

المقاومة وبيت العنكبوت

غالب قنديل

قبل تسعة عشر عاما وفي مثل هذا اليوم العظيم في 25 أيار 2000 ومن بنت جبيل المحررة اطلق قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله شيفرته الخاصة حول مفهوم النصر التاريخي المحتوم على الكيان الصهيوني وعن سقوط خرافة العدو الذي لايقهر مستندا إلى الواقع الجديد الذي حمله حدث التحرير واندحار الاحتلال من أرض لبنان دون قيد او شرط في اول تطور من نوعه منذ اغتصاب فلسطين.

كانت عبارة السيد التي اكدها بعد قسمه ” إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت” وهي عبارة تحاكي تراكم معادلاته الأثيرة في قيادة الصراع ضد العدو وفي معركة الوعي التي يخوضها منذ انطلاق مسيرته القيادية في المقاومة وقد جاءت مكثفة ومختصرة تختزن بعدا فكريا واستراتيجيا وعمقا ثقافيا مسندا بالتجارب.

ورد ذكر بيت العنكبوت في القرآن الكريم بوصفه مثالا للوهن ولعدم الصلاحية في الوقاية من أي خطر “إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ” ( سورة العنكبوت الآية 41 ) وقد اعتبر السيد في خطابه ان اهم دروس الانتصار هي انكشاف حقيقة ان “إسرائيل هذه” هي اوهن من اوهن البيوت الذي هو بيت العنكبوت كما ظهر بالتجربة الملموسة ولكن بالطبع عندما تتوافر الإرادة والوعي وتحشد عناصرالقوة المعنوية والمادية التي اختزنتها المقاومة كخيار تاريخي وباستعداد مفتوح للتضحية بالأرواح في مجابهة المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني للهيمنة على الشرق العربي.

في معاجم اللغة والعلوم الطبيعية يرد الكثير من التوصيفات عن بيت العنكبوت وعن حقيقة بيولوجية تكوينية هي انه مسرح اقتتال بين الأبناء والأمهات والآباء وعرضة لعصف العوامل الطبيعية أما في ثقافة أبناء جبل عامل فيسمى بيت العنكبوت “الشلشخون” الذي تستخدم المكانس لإزالته من زوايا الغرف المعتمة والرطبة وحيث للفظة دلالة ألسنية عن الهشاشة والوهن.

بين البعدين العقائدي القرآني والشعبي المتوارث رسم السيد عبارته لترسيخ الوعي والثقة ذات الفجر الذي شهد الانتصار الأول من نوعه وسدد ضربة مؤلمة جديدة في حربه المعنوية والنفسية المستمرة داخل الكيان الصهيوني والتي يعترف له فيها خبراء العدو وقادته بالتفوق.

بعد تسعة عشر عاما من الحروب الكبيرة والصغيرة التي شنت لقلب معادلات الانتصار مباشرة او بالواسطة من داخل لبنان ومن حوله وآخرها العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي على الشقيقة سورية وغزوة التكفير الأميركية الأطلسية الخليجية التركية وحيث تقف المقاومة كقوة عملاقة ثابتة وراسخة على مستوى المنطقة بمنظومات وشبكات تحالف وتناظر عابرة للحدود فباتت جزءا من حسابات التوازنات الاستراتيجية ومعادلاتها على امتداد المنطقة المسماة بقوس الأزمات او الشرق الكبير وقد استدعى عصف التحدي ببيت العنكبوت حشدا اميركيا اطلسيا وتدخلات عسكرية في طول المنطقة وعرضها وما زالت هذه المقاومة تراكم عناصر قوتها المادية والمعنوية وتعزز تفوقها الاخلاقي كما تؤكد قدرتها على مواجهة التحديات التي يثيرها التكالب الاستعماري الغربي الصهيوني بالشراكة مع حكومات الرجعية العربية التي انتقلت منذ يوم التحرير إلى خنادق الشراكة المعلنة في التخطيط والتنفيذ بالإمرة الأميركية الصهيوينة لجميع مؤامرات الاغتيال وللخطط التي استهدفت المقاومة ومحورها السوري الإيراني الفلسطيني وشركاءها في جميع البلدان العربية وخصوصا في اليمن والعراق.

تحية العيد لجميع شهداء المقاومة من القادة والمناضلين ولجميع الأسرى المحررين وللجرحى ولجميع العائلات المخلصة المضحية التي حملت أعباء ثقيلة من حصاد الصمود والمقاومة البطولية منذ اغتصاب فلسطين إلى اليوم.

التحية للشجعان المبادرين الذين تحركوا لتكوين المجموعات الأولى وساهموا في جمع ونقل البنادق والطلقات الأولى وتصنيع وتركيب العبوات الأولى وفي إصدار النداءات الأولى للمقاومة إلى القتال والسلاح ولكل من شاركوا في الانتفاضات الأولى ضد الاحتلال وضد قوات الغزو الأطلسي والنظام اللبناني العميل في الضاحية والجنوب والبقاع الغربي والجبل وبيروت.

التحية لكل من ساهموا في إشعال جذوة المقاومة وفي بناء الوجدان الشعبي المقاوم … لفنانتنا العظيمة السيدة فيروز وللشاعر الكبير الراحل جوزيف حرب وللموسيقار فيلمون وهبة رفيق الرحابنة وللتحفة الخالدة “أسوارة العروس” والتحية لفنانتنا المقاومة جوليا ولشقيقها المبدع الأستاذ زياد بطرس كاتبا وملحنا وللأغنية التي صارت نشيدا شعبيا وهتافا في الانتفاضات ضد المذابح الصهيونية “منرفض نحنا نموت”… التحية لكل صوت شجي ولكل قصيدة أو مقال او خطاب او تصريح رفع من عزيمة النساء والرجال والشباب والأطفال الذي خرجوا لتحدي الاحتلال بحبات البرتقال وبالحجارة وبالعبوات الشعبية وبالقذائف القاتلة وبالعمليات الاستشهادية الأولى التي فتكت بقوات العدو.

التحية لمن عاشوا عذابات السجن والاعتقال على أيدي الصهاينة او عملائهم اللبنانيين وصمدوا وظلوا ثابتين على إرادة المقاومة وكل التحية لكل رجل دين مقاوم رفع صوته من منبر مسجده او عن مذبح كنيسته في أي مكان من لبنان داعيا للمقاومة ومدافعا عنها او مبشرا بانتصارها العظيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى