بقلم غالب قنديل

الولايات المتحدة والدعاية الكاذبة

غالب قنديل

يصدق الكثيرون من أبناء شعبنا العربي الدعاية الأميركية عن حقوق الإنسان وحول حرية التعبير وحرية الإعلام وينخرط آلاف الشباب العرب من الجامعيين والجامعيات والنخب المتعلمة في نشاط الجمعيات المبنية على روابط التمويل الأوروبية الأميركية وبرامج “التدريب على الديمقراطية”.

هذه الحقيقة يبرع الوطنيون العرب في هجائها والسخرية منها دون فعل فكري وثقافي منهجي لتفكيكها ولمحاولة تعديل نظرة الشباب المأخوذين بنمط الحياة الغربية وبكل ما يقدمه الغرب من دعاية حول توافر كل ما يفتقده المواطن العربي في بلاده وهي دعاية تحجب عمدا مآسي ملايين البشر داخل المجتمع الأميركي وهم أميركيون من المهمشين والعاطلين عن العمل أو المشردين بلا مأوى من المهاجرين المتسللين او من ضحايا الكوارث الطبيعية الذين مضت سنوات على فتك الأعاصير ببيوتهم وما زالوا على حالهم دون مساعدة تذكر رغم وجود وكالات حكومية مسؤولة عن إغاثتهم نظريا.

الحقائق الأميركية الداخلية محجوبة في الدعاية الأميركية الخارجية وكذلك مغيبة في الإعلام العربي بجميع وسائله ومدارسه وحتى ذلك الإعلام المنتسب إلى محور المقاومة لا يقدم شيئا يذكرعنها ولا يبذل جهدا يذكر للخروج من التثاؤب الكسول ومن قوة العادة للتفتيش عن التقارير والمعلومات والمعطيات التي تهشم الكثير من وجوه التسويق الأميركي للصور الخادعة.

حجم تأثير اللوبيات في مراكز القرار الأميركية وهي تجمعات للدفاع عن مصالح شركات احتكارية يشرع الدستور الأميركي تشكيلها وتحركها داخل مجلسي الكونغرس دفاعا عن تلك المصالح هي ذروة الفساد الذي هو بالأصل وفي التعريفات النظرية انتهاز المواقع العامة في الدولة لخدمة مصالح خاصة كما تقول الخرافة الرأسمالية الديمقراطية تاريخيا والغريب مثلا ان تكتم عندنا حقائق كثيرة عن تطبيع تجارة المخدرات وتبييض الأموال في السوق الأميركية وداخل القطاع المصرفي الأميركي بينما تطارد واشنطن حركة مقاومة كحزب الله بتهم ملفقة من هذا النوع.

إن مليارات الدولارات تتدفق بلا انقطاع إلى واشنطن من عائدات طرق المخدرات المتعرجة عبر البحار ومن الجبال الشاهقة من أفغانستان إلى سواحل اميركا الجنوبية وأخطر عمليات الزراعة والحصاد والتسويق تجري تحت حماية الجيش الأميركي وجماعات سياسية وشبه عسكرية محلية مرتبطة بالمخابرات المركزية الأميركية في مختلف دول العالم.

اتاحت حقبة الرئيس دونالد ترامب نمطا أقل باطنية من المعتاد في ممارسة السياسة ولعل في تغريداته ومقابلاته ما يفكك كثيرا من الخرافات الأميركية السابقة امام الرأي العام العالمي وهي للأسف مهملة وغير مستثمرة من قبل الوطنيين ورافضي الهيمنة في بلادنا فعلى سبيل المثال جزم الرئيس الأميركي بعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي انه لا يمكنه التفريط بمشتريات السلاح السعودية التي زعم انها تخطت مئة وعشرة من مليارات الدولارات وهو رقم يجادل في صحته معارضو ترامب في الإعلام التقليدي ولكنهم يقرون بحجم ربما يكون اكبر من ذلك بكثير لما تبيعه الولايات المتحدة من ذخائر وقطع غيار وخدمات عسكرية للمملكة في حرب اليمن وبفواتير تبلغ المليارات شهريا فهي تؤجر للرياض مجموعة من أقمارها الصناعية وتقدم لها العديد من الخدمات الاستخباراتية والإعلامية التي تواكب الحرب على اليمن التي باتت في عرف العديد من الدوائر البحثية والإعلامية الأميركية عبئا وعارا اخلاقيا على الولايات المتحدة كما ذكر السيناتور بيرني ساندرز في مقالته هذا الأسبوع التي أعلن فيها عن تحرك قريب في مجلسي النوب والشيوخ لاستصدار قرار بوقف الانخراط الأميركي في حرب قذرة.

سردية دونالد ترامب عن قتل الخاشقجي تظهر المعيار الحقيقي للقيم التي تعتمدها الولايات المتحدة فقتل الخاشقجي كان تصفية لصحافي واعتداءا على حرية الرأي والصحافة التي تقدمها الخرافة الأميركية بصفة القدسية وهو كذلك اعتداء على احد المتحمسين للسياسة الأميركية وأحد أشد المتعاطفين مع الدعاية الأميركية واحد الكتاب الأكثر انخراطا في الحملات الأميركية التي تواكب حروبا وحشية ضارية في عدة دول عربية من سنوات فالمرحوم كان من المبشرين بما يسمى بالربيع العربي ومن الفريق الإعلامي الرئيسي الذي شن حملات ترويجية لما يسمى بالثورة السورية وصولا إلى تبرير جرائم داعش والاحتفال بها وهو ساهم في كل ما يستهدف شيطنة محور المقاومة والترويج للروايات الأميركية والإسرائيلية في الحرب على لبنان وقطاع غزة ورغم مجاهرته بالخلاف مع ولي العهد السعودي وملاحظاته على نهجه في الحكم فهو لم يخالف القرار السعودي في حرب اليمن لا بالجملة ولا بالتفصيل وليس في ذلك كله ما يدعو لتجاوز اولوية الصفقات المواكبة لحرب اليمن واتخاذ موقف قد يغضب المملكة او يعرض العلاقة بها إلى الاهتزاز فالمصالح فوق كل ما عداها والقيم ليست سوى بضاعة للبيع ولا يشفع للخاشقجي من ماضيه شيء لتخطي واشنطن حد استعمال مقتله كفرصة لمزيد من حلب الأموال.

إذن الولايات المتحدة مركز “العالم الحر” وقيادة التبشير الديمقراطي تتخلى عن جميع القيم المزعومة لأجل بيع السلاح والخدمات الحربية التي تزج بها في ارتكاب أبشع جرائم القتل الجماعي للأطفال ولتجويع الملايين في اليمن المقصوف والمحاصر بمشاركة وبرعاية من الولايات المتحدة حيث تتمادى الجرائم ضد الطفولة والإنسانية التي يندى لها جبين العالم وقد ارتفع اخيرا صوت مستعمرة الأمم المتحدة في الإفصاح عنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى