شؤون عربية

يديعوت: الاعتراف بالقدس وتلاقي مصالح الرياض مع واشنطن

يتضح أن الإدارة الأميركية، برئاسة دونالد ترامب، كانت مطلعة على جملة من التحذيرات حول الإعلان عن الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، بيد أن جملة من الأسباب دفعت ترامب إلى المضي في ذلك. كما يتضح أن تلاقي مصالح الرياض وواشنطن، وحرص واشنطن على إبقاء الرياض في صورة القرار، قبل أسبوعين من الإعلان عنه، قد ساهم، إلى جانب عوامل أخرى في قرار ترامب، كضامن لبعض الهدوء الذي كانت تحتاجه واشنطن في أعقاب الإعلان عن القرار، حيث تبين أن صهر ومستشار الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، كان قد توجه إلى الرياض، قبل أسبوعين، وتحدث لساعات طويلة مع ولي العهد، محمد بن سلمان، بشأن قرار ترامب، بهدف الحفاظ على الهدوء على هذه الجبهة.

ورغم معارضة كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، وعلى رأسهم وزيرا الدفاع والخارجية، ورغم التحذيرات الخطيرة للخارجية الأميركية التي بعثت، عشية الإعلان عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، برقيات سرية إلى كافة سفارات الولايات المتحدة في العالم تحذر من عمليات ضد أهداف أميركية، فإن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فعل ما لم يأمل مستشاروه أن يفعله، فقد أعلن اعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل دون أن يمنح شيئا للفلسطينيين.

ورغم توقعات الطاقم السياسي الأمني المصغر للرئيس ترامب، والذي عقد جلسة قبل أكثر من أسبوع من إعلان ترامب لمناقشة الموعد النهئي لتجديد الأمر الرئاسي لتأجيل نقل السفارة، بأن ترامب سيوقع على التأجيل مدة ستة شهور، إلا أنه فاجأ بالتصريح برفضه التأجيل، ونيته إصدار أمر بالبدء بعملية نقل السفارة، التي يعلم بطبيعة الحال أنها عملية تستغرق سنوات.

وبحسب تقرير، نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم الجمعة، فإن إسرائيل مارست في السنة الأخيرة ضغوطا شديدة على الإدارة الأميركية للاعتراف بالقدس، ونقل السفارة الأميركية إليها، إلا أن ضغوط منظمات الإنجيليين، التي ينتمي نائب الرئيس، مايكل بنس، إلى صفوفها، قد ساهمت بدور ملموس في قرار ترامب. وفي هذا الإطار نقلت “رويترز” عن المتحدث باسم المجلس الإنجيلي الذي يقدم الاستشارة للبيت البيت الأبيض، جوني مور من كاليفورنيا، إن ذلك لم يكن ممكنا بدون الإنجيليين.

وقالت “يديعوت” إنه نتنياهو حث ترامب على إعلانه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، من خلال ثلاث محادثات هاتفية بينهما، شدد نتنياهو فيها على “الأهمية التاريخية” لإعلان كهذا، زاعما أن الوضع القائم في القدس لن يتغير. وذكر نتنياهو في هذه المحادثات مع ترامب “أننا نجري اتصالات مع دول أخرى لكي يعلنوا عن اعتراف مشابه، ولا شك لدي في أنه عندما تنتقل السفارة الأميركية إلى القدس، ستكون سفارات كثيرة أخرى قد انتقلت للقدس“.

وتابع تقرير “يديعوت أحرونوت” أنه بالرغم من أن ترامب وقع على أمر يؤجل نقل السفارة إلى القدس، ولكن بالنسبة له فإن الإعلان عن الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل هو خطوة أكثر أهمية من نقل السفارة. وفي هذا السياق نقل عن مسؤول في البيت الأبيض قوله “لدينا تجربة في بناء السفارات. فالأمر ليس بسيطا ويستغرق ثلاث أو أربع سنوات. مضيفا أن “سفارة أميركية في الشرق الأوسط ليست مجرد مبنى يضم عمالا وحواسيب، وإنما هي موقع محصن يحتوي على أجهزة رصد وتجسس ومتابعة، وتحت حراسة مشددة، ومحمي جيدا بواسطة التشفير الأكثر تطورا“.

وأضاف أن الحديث عن إقامة مبنى جديد للسفارة في القدس، وليس استخدام المبنى القائم، مبنى القنصلية. كما أنه لم يتم بعد إعداد التحضيرات اللوجستية المطلوبة لإقامة السفارة، ولم يقم أحد بفحص ميداني للمواقع التي تناسب السفارة.

وبحسب التقرير، فإن “الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل يوجد له أهمية رمزية، وقد يكون لذلك تبعات أمنية وسياسية بعيدة المدى، في حين لا يوجد لذلك معنى عملي، حيث أن الرؤساء الأميركيين أو ذوي المناصب الرفيعة يصلون إلى إسرائيل، ولا يجتمعون مع نظرائهم على شاطئ البحر في تل أبيب، وإنما إلى ديوان الرئيس أو مكتب رئيس الحكومة أو الكنيست أو وزارة الخارجية، والتي تقع جميعها في القدس. وفي حين أن أحدا من إدارة ترامب لا يشكك في أن القدس هي عاصمة إسرائيل، حتى لو كانت السفارة في تل أبيب، فإن ناخبي ترامب لا يعرفون مثل هذه التفاصيل، وبالتالي فإن الإعلان الاحتفالي لترامب يبدو أشبه ما يكون بتحقيق حلم بالنسبة لهم“.

وتابع التقرير، أنه عندما أدرك مستشارو الرئيس أنه ينوي الذهاب حتى النهاية، في الإعلان عن القدس، حاولوا التقليل من حجم الأضرار المتوقع، وذلك لكونهم يعلمون أنهم عندما يقولون له إنه لا يستطيع فعل شيء ما، فإنه يفعل العكس.

وأضاف التقرير أن “أكثر ما كان يهمهم هو إبقاء الأسرة المالكة في السعودية في الصورة. وعليه، فقد توجه مستشار وصهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، قبل نحو أسبوعين إلى السعودية، وتحدث لساعات طويلة مع ولي العهد، محمد بن سلمان. وكان الهدف هو منع نشوء وضع تقود فيه السعودية المعارضة العربية للخطوة. ولم يكن ذلك صعبا بوجه خاص، حيث أن السعودية بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الدعم السياسي الأميركي، وخاصة الرئيس الأميركي، والعتاد العسكري الأميركي الذي تبيعه لها واشنطن لتعزيز قوتها في مواجهة إيران“.

وتابع التقرير أن “تلاقي المصالح ولعبة القوى بين واشنطن والرياض، أتاحت لترامب الحفاظ على هدوء نسبي في هذه الجبهة. ورغم أن الردود الرسمية في السعودية كانت ضد الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل، إلا أنها لم تتجاوز الحدود“.

وأشار التقرير إلى أن واشنطن كانت تأمل أن تتمكن الرياض من تخفيف غضب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وإعطاء الفلسطينيين بارقة أمل، ولذلك فإن بن سلمان عرض، قبل أسبوعين، على عباس، الخطوط العريضة لخطة السلام الأميركية لحل الصراع، بيد أنه ليس من الواضح ما إذا كان عباس قد اقتنع بجدية نوايا ترامب، ويتضح أن السعودية لم تكن لوحدها في الصورة، حيث أنه بحسب مسؤول كبير في واشنطن، فقد تم إطلاع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على خطة ترامب قبل عشرة أيام، والتي تضمنت التوقيع على أمر تأجيل نقل السفارة لمدة ستة شهور أخرى، والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل.

وكانت الاتصالات قد جرت بين كوشنر والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، وبين مكتب رئيس الحكومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى