بقلم غالب قنديل

فلسطين وقمة عمان

 

 

 

 

 

غالب قنديل

ما بلغته الخطط الصهيونية العدوانية في المنطقة تقدم منذ عام النكبة 1948 بفضل الواقع العربي ونتيجة ارتباط حكومات عربية عديدة بالهيمنة الغربية وبالأوامر الاميركية.

إن أي جهد عربي جدي في مقاومة الكيان الصهيوني لم يجد طريقه الى الجامعة العربية ، ولا الى مقررات القمم دون مواجهة شرسة مع السد المنيع الذي اقامته الحكومات التابعة للغرب وحتى في ذروة المد الناصري الذي اجتاح الوطن العربي شعبيا من المحيط الى الخليج كان الزعيم جمال عبد الناصر الذي رفع راية المقاومة ضد الكيان الصهيوني يجد نفسه محاصرا بالمؤامرات والضغوط كلما تحرك في وجه العدو الصهيوني ولنصرة فلسطين وشعبها او للدفاع عن الحق العربي.

يمكن القول ان الهزائم والنكسات التي اصابت خط المواجهة العربية للكيان الصهيوني وللتوسع الاستيطاني في الاراضي العربية المحتلة ولخيار المقاومة ضد الاحتلال كانت في واقع الأمر حصيلة هيمنة الرجعية العربية على القرار السياسي ونجاح تلك الرجعية بقيادة المملكة السعودية في محاصرة مواقع المقاومة والصمود على الصعيد القومي.

وحتى عندما تمكن الرئيس الراحل حافظ الاسد انطلاقا من مكانة سورية وموقعها في خارطة الصراع وبعدما حشد ما يستطيع من الامكانات والقدرات دفاعا عن الحق العربي في مواجهة الكيان الصهيوني فإن الفترات الزمنية التي رضخ فيها المعسكر الرجعي لمنطق المساكنة مع استراتيجية الرئيس الاسد كانت تنتهي دائما بالتآمر على سوريا ففي الثمانينات ومع الاجتياح الصهيوني للبنان كانت تنفذ مؤامرة ضد سوريا بواسطة تنظيم الاخوان المسلمين برعاية سعودية خليجية انطلقت من الاردن ميدانيا وكانت الغاية التي رسمها حكام الغرب والقادة الصهاينة هي التصدي لموقف سوريا الطليعي والريادي في رفض اتفاقيات كامب ديفيد ونتائجها على معادلة الصراع ضد العدو الصهيوني ومحاولة استنزاف الدور السوري الداعم لخيار المقاومة التي انبثقت وتحركت على أرض لبنان في وجه الاحتلال الصهيوني آنذاك.

وعندما تعافت سوريا وانتصرت على الحلف الاستعماري الصهيوني وتمكن شعب لبنان من اسقاط اتفاق 17ايار كانت الرجعية العربية تنتظر الاشارة الاميركية لتستعيد خيوط التفاهم مع دمشق وهو تفاهم انطوى على صراع خفي ظل صامتا ومتواصلا مورست فيه اساليب الترغيب والترهيب ضد القيادة السورية لثنيها عن خيارها المقاوم والاستقلالي دون جدوى، وها هي الحصيلة اليوم حرب جديدة على سوريا خيضت كونيا وساهمت وانخرطت فيها بقوة ماليا وسياسيا ومخابراتيا وعسكريا جميع الانظمة العربية الرجعية التابعة للغرب والتي تقترب من لحظة الاعلان عن حلفها غير المقدس مع الكيان الصهيوني.

قرارات القمة العربية تتجه منذ سنوات الى تقديم العداء ضد ايران كخيار رسمي لتلك الحكومات الرجعية والقرارات التي اتخذتها القمم ضد ايران كانت بمثابة مبادرات عدوانية غايتها تحصين الكيان الصهيوني ومحاصرة قوى المقاومة التي تبنت ايران دعمها منذ انتصار الثورة واسقاط نظام الشاه حليف الرجعية العربية الموثوق.

قمة عمان لا ينتظر منها شيء في سبيل فلسطين ولا في سبيل شعب فلسطين ولا في سبيل ابناء المخيمات في الشتات الفلسطينية فالحكومات المقررة داخل القمة صممت على ابعاد سوريا عن مقعدها لان صوت سوريا داخل القمة سيكون صادحا وفاضحا لخيبات الجميع ولمؤامراتهم وخططهم التخريبية في الواقع العربي الذي دفعوه الى اتون حروب استنزاف وتدمير تلغي كثيرا من فرص التقدم والتطور وتخرب كثيرا من صروح الانتاج والتقدم الاجتماعي والاقتصادي في جميع البلاد العربية والنماذج كثيرة وممتدة من تدمير سوريا بواسطة عصابات الارهاب الى تخريب مصر عن طريق دعم الاخوان المسلمين وجماعات القاعدة، الى المجاعة والويلات الخطيرة التي تعصف باليمن الصامد في وجه العدوان الاميركي السعودي، وغير ذلك من الساحات التي امتدت ايدي دول عربية وحكومات عربية لتدعم فيها عصابات عميلة وارهابية وتكفيرية كما هي حال ليبيا الغارقة في الدماء والفوضى.

من الواضح تماما ان لا شيء يعول عليه في تلك القمة، لكن في القمة منبر يتيح لبعض الحضور اعلان مواقف تعاكس رغبات قوى الرجعية الممسكة بدفة القرار وهذا ما ينطبق على حضور لبنان ممثلا بالرئيس العماد ميشال عون وبكلمة لبنان في القمة وهو كذلك ينطبق على دول ميزت نفسها فوقفت خارج جوقة السعار الرجعي المعادية لسورية مثل مصر والجزائر والعراق، وبعض الدول التي تراعي حسابات المصلحة القومية وأولويات الصراع ضد عصابات الارهاب والتكفير وهو ما تعبر عنه الدعوات الى اسقاط جميع القرارات التي اتخذت ضد سوريا غب الطلب الاميركي.

لكن الشيء الاكيد ان القمة قد تخرج بتوصيات ضد ايران لها فعلها السياسي في مواصلة حقن العداوة ضد ايران، بينما ايران تحمل راية دعم معسكر المقاومة واولوية الصراع ضد الكيان الصهيوني كشرط لتحقيق استقرار المنطقة وهذا التحريض ضد ايران بذاته هو خيانة لدماء الفلسطينيين الذين يغتالهم الصهاينة كل يوم في الارض المحتلة عام 48 وفي الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة. ان الحكومات الرجعية العربية ومنذ عام النكبة شكلت ضمانة الامان لتوسع الاستيطان الصهيوني ولحماية كيان العدو لكن ما يغير البيئة العربية هو صعود خيار المقاومة وظهور نموذج انتصارها في لبنان ولذلك فان فكرة المقاومة في خطاب العماد ميشال عون تشكل نقيضا لكل ما تذهب اليه سياسات الحكومات الرجعية بناء على التوجيهات الغربية والاميركية الداعية لعلاقات اندماجية مع الكيان الصهيوني وخططه في المنطقة. انه توازن جديد تتأسس نواته اليوم على نموذج حزب الله وصمود سوريا ونهوضها الاتي الذي سيغير كثيرا من المعطيات والمعادلات وهذا ما يفسر سياسة الرفض التي قوبلت بها اقتراحات عودة سوريا الى مقعدها في القمة ولذلك ليس السؤال متى تعود سوريا الى الجامعة العربية بل متى تعود تلك الجامعة الى سوريا وحضنها وخيارها القومي الذي لا بديل له.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى