مقالات مختارة

“ماذا تريد الأممُ المتّحدة : من لبنان ؟! ” . ناصيف ياسين


نامَ ” بان كي مون ” أمينُ عام الأمم المتّحدة خمسَ سنواتٍ من عمر الهجمة الدوليّة للإرهاب التكفيريّ على سوريا ، ولم يبدُرْ منه غيرُ تعابيره الممجوجة ، بأنّه : ” قلِقٌ … مُتخوّفٌ … مهتمٌّ …” وغيرها ممّا لا يُسمنُ ولا يُغني من جوعٍ لشعبٍ تُسبى نساؤه ، وتتعرّضُ أُسَرُهُ لأقسى أنواع القتل والتنكيل والتعذيب ، والتنزيحِ داخل البلاد ، والتهجير إلى البلدان المجاورة ، واللجوء المُترافقِ مع الموت غرَقًا ، إلى أوروبا .
وها هو اليوم ، يأتي إلى لبنان ، مُحاطًا بمهمّات رئيس البنك الدوليّ ، الذي يعرف اللبنانيون ، وغيرهم ، بلوى التعامل معه ، وكذلك رئيس البنك الإسلاميّ التابع لمنظمة المؤتمر الإسلاميّ الذي تُهيمن ، عليه وعليها ، مملكة آل سعود .
هي زيارةٌ جاءت بعد هجمات الإرهاب في بلجيكا ، مُتزامنةً مع مراحل ” مؤتمر جنيف 3 ” حول الوضع في سوريا ، تدعو إلى الشُّبهة والتّمعّن :
لقد سبقتها اجتماعاتُ وزراء الداخليّة الأوروبيّين ، التي أفضت للإتفاق مع تركيّا، بصدَدِ منع تسلُّل اللاجئين السوريّين إلى القارّة العجوز ، لقاء أربعة ملياراتِ دولار ، للعام الواحد و بحجّة ” تجفيف مرتكزات الإرهاب ” حسبما يزعمون .
أصرّت المحافل الدولية على تسمية المهجّرين السوريّين إلى لبنان ، بِ” اللاجئين ” ، تمهيدًا لتسوية أوضاعهم داخل الأرض اللبنانية ، التي تضيق فيها فُرَصُ العمل ، بالأساس ، على شعبها – بِحُكْم النظام الطائفيّ الإستغلاليّ الذي يتحكّم فيه رموزُ المصارف والعقارات ، والتجّارُ الرّبويّون – وفق صيغة ” المغانم المذهبية ” ، وهو ما أدّى إلى منع الإحصاءات السكانيّة منذ عام 1932، وحتى الآن ، مع حرمان اللاجئ الفلسطينيّ من أدنى حقوقه الإنسانية في المخيّمات وخارجها ، ما يعني ” عاملَ تفجيرٍ ” جديدٍ يُضافُ إلى التركيبة الفسيفسائية العجيبة ، القديمة .
ومع إصرار وزير الخارجية على رفض تسمية النزوح والتهجير بِ ” اللجوء ” – لمدلولها المُتخابث – تُظهِرُ دوائر السراي الوزارية ” تفهُّمًا تواطئيًّا ” : ظاهره الرفض ، وباطنه القبول ، بهدف إبقاء ما يزيد على المليون ونصف المليون مواطنٍ سوريٍّ في لبنان ، حسب الرغبة ، مثلما عبّرت الأمم المتّحدة !
علاوةً على ذلك ، يقرِنُ ” بان كي مون ” والبنكان : الدوليّ والإسلاميّ ، إعطاء الهِباتِ والقروض المعنيّة بالسوريّين في لبنان ، بتنفيذ مشاريع تشغيلٍ مُستدامةٍ للنازحين . ومع المبادهة للقول ، إنّ الإعتراض ، هنا ، ليس من باب العنصرية ضدّ الإخوان العرب السوريّين ، بقدر ما هو رفضٌ ” لِمؤامرةٍ” تُحاكُ ضدّ الشعبَين : اللبنانيّ لزيادة قلاقله ، والسوريّ ” لتوطينه ” في لبنان ، وإحلالِ جماعات الإرهاب التكفيريّ القادمة من كلّ بقاع العالَم محلّه ، على الأرض السورية ، كي تتوفّر ظروفٌ أكثر ملاءمةً تُساعد على تمتين أواصر الخطّ الإرهابيّ بين البلدَين ، وتطويق المقاومة – إذا نجح المُخطّط – وتقطيع أوصال الخط المُقاوِمِ / المُمانع. وهذا ما تجهدُ وتسعى إليه السعودية و” جوقتها العربية المُتَصَهْيِنَة ” التي لم تستقبل مهجَّرًا سوريًّا واحدًا على أراضيها ؟!
لا شكّ ، أنّ الحلّ الحقيقيّ هو بعودة الإخوة السوريّين إلى بيوتهم ، في قراهم ومدُنهم ، حفظًا لأرضهم ، وصَونًا لكرامتهم ، كي لا يُصيبَهم ما أصاب الإخوة الفلسطينيّين الذين استقبلهم رئيس الجمهورية اللبنانية عام النكبة : 1948 ، بشارة الخوري ، على الحدود ، بقوله : ” ادخلوا بلدكم ” … دخلوا ، إلى لبنان ، ومعهم مفاتيح بيوتهم في فلسطين … ومأساتُهم المزمنة ، المستمرة جميعكم تعرفونها ؟!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى