مقالات مختارة

سجال إسرائيلي حول أنفاق غزة: حرب 2014 تخيّم على خيار المواجهة: حلمي موسى

 

لم يتوقف صخب السجال داخل إسرائيل حول خطر الأنفاق وسبل التعامل معها، في ظل تزايد القلق من أن الأوضاع تتجه نحو صدام جديد بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة

.

ولا ينحصر السجال الإسرائيلي في خطر الأنفاق الحالي، وفي المستقبل المنظور، بل إنه يعود من جديد إلى مجريات الحرب الأخيرة على غزة، التي تركز القتال فيها حول مناطق تواجد الأنفاق الهجومية قرب الحدود. ونظراً إلى تكاثر حوادث انهيار أنفاق لحركة «حماس» في القطاع مؤخراً، عمدت إسرائيل إلى الإيحاء بدور لها في ذلك، عن طريق انتهاج سياسة غموض بهذا الصدد.

وفي إطار محاولات الحكومة الإسرائيلية تقليص مشاعر القلق الموجودة لدى سكان مستوطنات غلاف غزة، اشاعت في الأيام الأخيرة أنباء سعيها، بتمويل أميركي، لتطوير منظومة تكنولوجية لاكتشاف الأنفاق. وبعدما شكك معلقون إسرائيليون في قدرة إسرائيل على تمويل نشر هذه المنظومة في حال تطويرها نظراً لارتفاع تكلفتها، دفعت حكومة نتنياهو وزير ماليتها موشي كحلون لزيارة مستوطنات غلاف غزة وإطلاق وعود بتمويل المنظومة. وأعلن كحلون أن «الميزانية لن تشكل عائقاً أمام توفير الأمن لسكان غلاف غزة». وأضاف، في إشارة إلى تمويل مشروع نشر منظومة اكتشاف الأنفاق، أن «لدينا أموال لكل مهمة ولكل غرض. والمال موجود ومتوفر، وأنا أقول ذلك بعد محادثات لي مع وزير الدفاع، ورئيس الحكومة ورجال الجيش. ينبغي إزاحة الجانب المالي عن جدول الأعمال. طالما أني وزير مالية، لن ينقص المال لضمان أمن سكان غلاف غزة».

ولكن سكان مستوطنات غلاف غزة لا يرون الأمور كما يراها ممثلو الحكومة الإسرائيلية. وقال أحد المستوطنين للصحافة «إننا نرغب في تصديق أن مشروع اكتشاف الأنفاق سيتم تمويله. ولكننا تعبنا من الوعود، وتعبنا أكثر من القلق نهاراً وليلاً خشية تسلل البعض عبر الأنفاق إلى مستوطناتنا». ومعروف أنه، رغم كل محاولات الجيش طمأنة المستوطنين إلى أنه يقوم بفحص كل شكوى لكنه لم يعثر حتى الآن على أي نفق عابر للحدود، فإن القلق يتزايد. ويصر المستوطنون حتى الآن على أنهم يسمعون ضجيج آلات حفر تحت الأرض في نطاق جهد مكثف من جانب «حماس» استعداداً للجولة المقبلة.

وفي إطار إظهار أن الجيش يفعل كل ما في وسعه من أجل اكتشاف وتدمير أية أنفاق عابرة للحدود، أرسل تعزيزات كبيرة من الوحدات الهندسية الثقيلة للانتشار على الحدود مع قطاع غزة. واعتبر مراقبون ذلك تأكيداً على تسخين الوضع بين «حماس» وإسرائيل بسبب الأنفاق. وكتب المراسل العسكري لموقع «والا»، أمير بوحبوط، عن «صراع الأدمغة الكبير الجاري حالياً بين الطرفين على حدود القطاع وجوهره: كلما حفرت إسرائيل أكثر، كلما عمقت حماس أنفاقها أكثر».

وفي نظر بوحبوط، فإنه بعد القبة الحديدية ونجاعتها في مواجهة الصواريخ قصيرة المدى، صارت «حماس» تعتبر الأنفاق سلاحها الاستراتيجي الأنجع. ولذلك، فإن «حماس» شرعت بترميم الأنفاق وتطويرها فور انتهاء عدوان 2014. وقال إن «للتوسع في أنفاق حماس أسباب، بينها نجاح مصر في إغلاق الأنفاق على حدودها، ما وفّر طاقة أكبر لإنشاء الأنفاق قرب الحدود مع إسرائيل، والإدراك بأنه طالما لا تتوفر لإسرائيل حلول تكنولوجية لاكتشاف الأنفاق، فمن الضروري التوسع في إنشائها». ولاحظ بوحبوط أن «الحوافز العالية لدى حماس تقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ما دفعها إلى العودة إلى وضع العراقيل أمام مشاريع إعادة إعمار القطاع، خشية أن تضع حماس يدها على مواد البناء رغم وجود آلية مراقبة دولية لهذه المواد».

وخلافاً للسجال بين الأحزاب السياسية الموالية والمعارضة بشأن الأنفاق، دخل على الخط مراقب الدولة الذي يعكف على إعداد تقرير حول الأنفاق في حرب 2014. ونشرت الصحف الإسرائيلية في اليومين الأخيرين مقتطفات مما قيل إنها مسودة التقرير الذي يشير إلى مواضع خلل خطيرة في استعداد إسرائيل لمواجهة خطر الأنفاق. وقد سلم مراقب الدولة مسودة تقريره للقيادة الإسرائيلية، وهو يتضمن انتقادات شديدة للمجلس الوزاري المصغر ولرئيس الحكومة نتنياهو، بشأن ضعف الاستعدادات لمواجهة خطر الأنفاق.

ويرى معلقون أن إشارة مراقب الدولة إلى وجود مواضع خلل في أداء الحكم بشأن الأنفاق في مسودة التقرير، تعني أن المراقب ينظر بخطورة بالغة إلى هذه المواضع. وكان ديوان مراقب الدولة قد وجه أول انتقادات للحكومة بشأن الأنفاق في شباط 2014، أي قبيل حرب صيف 2014. ومن المقرر أن يسلم مراقب الدولة قريباً فصلاً آخر من مسودة تقريره، ويتصل بعملية اتخاذ القرارات في المجلس الوزاري المصغر والعلاقات بين المستويين السياسي والعسكري، بما في ذلك بشأن معالجة خطر الأنفاق وحماية الجبهة الداخلية من الصواريخ.

وفي حديث لا يخلو من الإغراض، عمد منسق عمليات الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، الجنرال بولي مردخاي، إلى الرد على سؤال حول ما إذا كان لإسرائيل دور في حوادث الأنفاق الأخيرة في غزة بالقول: «الله أعلم!». واختار مردخاي إيصال هذه الرسالة الغامضة عبر مقابلة أجراها مع وكالة «معاً» الفلسطينية، حيث قال إن «أنفاق الموت» هذه تبنيها «حماس» على حساب السكان. وأضاف أن «الأنفاق التي تحفرها حماس تجلب الكوارث لقطاع غزة، وهي أنفاق للموت». وشدد على أن «حماس» تستغل مواد البناء التي تصل القطاع «في أغراض إرهابية بدل استخدامها في البناء وإعادة إعمار البيوت المهدومة».

من جهته، كتب المعلق العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل أمس أن «حماس» وإسرائيل «تتقدمان نحو الصدام»، موضحاً أن الطرفين «يتجهان نحو تكرار ما جرى في حرب 2014 بسبب أن الوضع على الأرض لم يتغير منذ ذلك الحين. فحكومة حماس واقعة بين فكي كماشة تزداد ضيقاً، وهي تقوم بتطوير قدراتها الهجومية لقناعتها بأن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة. والقيادة الإسرائيلية لا ترى فائدة من خوض حرب في الفترة القريبة، لذلك تتأرجح بين إطلاق التهديدات القوية وإرسال رسائل التهدئة. ورغم أن المواجهة لا تخدم حالياً أياً من الطرفين، ومع ذلك قد تقع نتيجة سوء حسابات وتقدير». وفي نظره، فإن «التاريخ يكرر نفسه، أحياناً ولو بشكل جزئي».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى