ألف باء بقلم فاطمة طفيلي

رقيق بلبوس عصري

79e8e5e4 c4a5 4fb3 b694 cd84fab08771

فاطمة طفيلي

تنتشر منذ بداية النزوح السوري وما انتجته من أزمات على كل المستويات ظاهرة خطيرة تهدد بانحلال وتفكك الكثير من المجتمعات العربية التي لطالما تغنت بالروابط الأسرية وبالوحدة الاجتماعية التي هي نواة وأصل المجتمعات البشرية، تتطور بتطورها وتنهار بانهيار ما تقوم عليه من قيم وأسس للروابط والعلاقات السوية، اللهم إلا في بعض الحالات التي ينظر إليها على أنها استثاءات تحدث في كل زمان ومكان، والاستثناء لا ينسف القاعدة، وعليه فهي لا تترك أثرها البالغ.

مع بداية النزوح السوري بدأنا نشهد الكثير من القصص والحكايا التي لا يمكن تصديقها، والتي تقارب الخيال عما يجري من سوء معاملة للعائلات النازحة وعن الأحوال المزرية التي يعيشونها، والتي بلغت حدودا جاوزت العقل وقاربت الخيال: معاناة ألم وقهر يندى له الجبين وتأباه الإنسانية إن كانت لها من بقية في هذا الزمن الرديء، زمن تراجعت فيه القيم والمباديء وباتت الأخلاق عملة نادرة يوصف أربابها بالبلهاء الذين لا يفقهون، ولا مكان لهم في السيرك القائم على المادة ولا شيء سواها، وأكثر ما تبدّى ذلك في زحمة عناوين الإغاثة والمساعدة وما شابه، لتفوح روائح التنّفع والكسب وتجميع الثروات باسم عائلات لم تنل مما سمي بالمساعدات الإنسانية ما يسدّ الرمق.

ما يؤلم في كل ذلك ان المرأة، التي هي ركيزة العائلة وحضنها الدافيء باتت في مهب المعاناة أما وابنة وأختا وزوجة، تنوء تحت أثقال تعجز عنها الجبال، وللمعاناة ضروب مختلفة، فهي اليتيمة والأرملة والثكلى والمشردة والمخطوفة والمسبية المغتصبة باسم الدين وتجاره وأربابه المفتين بكل ما يلائم غرائزهم الدنيئة وأفكارهم المتخلفة، ولا تقف الأمور عند هذه الحدود، فالنازحات السوريات عرضة للمتاجرة والبيع بأبخس الاثمان، وفي حالات كثيرة برضى الأهل المغلوبين على أمرهم، وما أكثرها قصص عروض الزواج المختلفة التي كانت مخيمات النزوح مسارح لها، يتقاطر إليها أصحاب الكروش العامرة لاستعراض “البضاعة” والاختيار تحركهم نزواتهم ويسيل لعابهم لمجرد النظر.

الكل مشارك في جريمة تسليع المرأة والمتاجرة بها في مهب الغرائز الجنسية والأهواء البهيمية لأصحاب الثروات ومحدثي النعم من “النفاريش” الذين ما إن تتحسن أحوالهم حتى يبادرون قبل أي شيء الى تغيير الزوجات الشريكات صاحبات الفضل الأكبر في ما وصلوا اليه، واللواتي دعمن وساندن وربين وصبرن على المر من أجل صيانة الأزواج والعائلات والحفاظ على المكانة الاجتماعية اللائقة والمحترمة، يكافئونهن بكل هذا الجحود والنكران وقلة الوفاء من أجل نزواتهم وفي مهب مراهقاتهم المتأخرة، والجريمة مزدوجة نكران شريكة العمر وانتهاك حياة صبية في مقتبل العمر، لا ذنب لها سوى أن ظروفها القاسية أرغمتها على القبول بأن تكون الزوجة الثانية المعلنة أو المخفية بعقد زواج منقطع أو دائم، ولا فرق في العناوين طالما كانت الضحية ملائمة للتاجر المتربص، والمقابل غير مكلف.

عقود زواج المتزوجين بالنازحات السوريات في لبنان وبلدان النزوح الى ازدياد غير مسبوق، والكثير من البيوت التي قيل إنها مبنية على الشراكة والمحبة مهددة بالفرقة والانقسام.

قد يقول قائل إنها مشكلة الحروب، التي تعيث فسادا في كل شيء حتى القيم والمباديء والأشكال الاجتماعية، ومع ذلك لا يمكن التبرير، ولا سيما في المجتمعات التي تعتبر آمنة بعيدة، ولو نسبيا، عن نيران ما يجري، وفي حالات تعدد الزوجات وزواج القاصرات…

الزواج سنة الطبيعة والحياة والأديان، لكن ما يجري في هذا الإطار يحتاج الى أكثر من التوقف والسؤال يحتاج الى تحركات جادة من الجمعيات العاملة باسم المرأة والناشطين المدافعين عن حقوقها، ومن الهيئات الانسانية والمنظمات الحقوقية في العالم قاطبة، تعيد صياغة القوانين بما يتيح منع الجرائم المرتكبة بحق المرأة العربية وبعض الأجنبيات الوافدات الينا تحت شعارات الديمقراطية والدفاع عن الدين والأمل بالنعيم الموعود.

المنع هو الطريقة الوحيدة لصيانة المرأة والحفاظ على احترامها، ولحماية الأسر من التفكك والضياع في مهب الأهواء والشهوات الجنسية القاتلة، وإن لم يكن بالقانون فعبر الدين، وهنا يحضر بقوة دور رجال الدين المتنورين يقولون كلام الحق في ما يقترف من جرائم مخزية بحق النساء، وبالاستعباد الجنسي الذي يعيدنا الى زمن الرق والعبودية.

بعيدا عن السياسة وخلافاتها، وبعيدا عن الآراء المتناقضة حيال الآحداث، صرخة حق نطلقها، علّها تجد الصدى الإيجابي، وتدفع الى خطوات عملية في مختلف الاتجاهات وعلى كل المستويات، بدءً من العمل الميداني بهدف التوعية والمساعدة، الى العمل القانوني، الذي يضع حدا لما يجري، ويخفف من آثار ما جرى من متاجرة واستغلال، ولتكن تحركات شاملة تدوم ولا تهدأ، فالعمل وفق ما تمليه عناوين الإثارة الموسمية المستهلكة غير مجدٍ ولا يحقق المراد، فيما الواقع المتردي يحتاج الى المبادرة وإطلاق النفير كي لا نجد أنفسنا بعد حين مجرد بضائع معروضة في أسواق النخاسة بأثمان مسبقة الدفع…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى